والغرائز التي أودعها الله في الإنسان تأتي في الدرجة الثانية من دوافع التطوير والإنتاج. فحب التملك، والرغبة في الاستطلاع، وغريزة المنافسة، كل ألئك دوافع حقيقية ينبعث عنها أروع آيات التجديد والابتكار.

فغريزة التملك تدعو إلى الاقتناء والحرص، وحب الاستطلاع يكشف الجوانب الخفية للإنسان، وغريزة المنافسة تؤدي إلى التطوير والإبداع، وتطلع النفس إلى الأحسن والأكمل يجعله لا يقف عند حد، بل يظل يطور ويجدد، ويبدع ويبتكر ما دام حيا.

ويدخل في هذه الغرائز الخبرات التي يستفيدها الإنسان من ممارسته لعمل ما فاكتساب الخبرات يجعل المرء يعيد النظر في كل ما حوله، ويعالجة في ضوء الخبرات المستجدة في حياته، ليتجنب المضار، ويكتسب المنافع وليصل إلى أرقى ما وصل إليه العقل البشري.

وللمسلمين في ذلك قصب السبق، فإنهم لما أنشئوا المدن كالبصرة والكوفة والفسطاط وواسط والقيروان وغيرها، ورأوا أن ذلك أخف حملا، وأقل مؤونة ولكن النار داهمتهم فأكلت بيوتهم، فلم تبق ولم تذر، فبنوا باللبن والقصب، حتى عرفوا الحجارة فبنوا بها.

وأسسوا بيوتهم على نظام الطابق الواحد، ثم دعت الحاجة إلى تعدد الطبقات، فرفعوا إلى الثلاث.

وكان البناء ساذجا بغير تخطيط، فرأوا في النقوش والزخرفة زينة يجمل أن تتحلى بها البيوت فتفننوا في ذلك وأبدعوا، وأزالوا الأزقة الضيقة، وخططوا الشوارع والميادين وحددوا أماكن الأسواق والحمامات والمرافق العامة، وظل التطوير شأن المسلمين حتى وصلوا إلى إنشاء المجاري لتصريف المياه الزائدة وغير المستفاد منها، وبنوا الجسور ومهدوا الطرق.

وهناك أمر هام ينبغي ألا يغفله الباحث، وهو دور الأخلاق والقيم في التطور والبناء، وهذا ولا شك أمر حيوي يجب أن يحظى بالعناية والتقدير من الباحثين والمفكرين، فالناس إنما يخططون ويبتكرون حسبما يطبعون عليه من الأخلاق أو التفسخ، وما يعتنقونه من الفضائل أو الرذائل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015