أما تلك الفوضى التي عمّت المجتمعات باسم التقدم والحرية، وهذه الابتكارات التي زودت الناس بوسائل القطيعة والتكبر، ومكنتهم من التنابز المقيت، ووضعت بين أيديهم أسباب الدمار والفناء فالإسلام لا يعتبر شيئا منها تطورا حقيقيا ولو أتى بالعجب العجاب.
إن الإسلام لا ينظر إلى التقدم العلمي في مصعد التفوق الحضاري من حيث هو تقدم علمي أو تفوق حضاري، ولكنه ينظر إليه من خلال عوائده على الإنسانية في بيئاتها المختلفة، وظروفها المتباينة، وأوضاعها المتفاوتة، فبقدر ما يحقق العلم للبشرية من الفوائد يحظى من الإسلام بالتأييد والمؤازرة.
والإسلام ينبذ الأنانية والعنصرية لأنه دين البشرية كلها شاء الناس أم أبوا، لأن الله سبحانه قد أمر الناس جميعا بالدخول فيه، فالرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد أُرسل إلى الناس كافة.
ولهذا فإنه ينشد السعادة والفائدة لكل الناس في الحقوق العامة لا فرق فيها بين عربي وعجمي ولا أبيض ولا أسود، ولا فقير ولا غني، ولا مسلم ولا غير مسلم، ولكن الذين يرفضون الإسلام ويتأبون عليه قد حرموا أنفسهم من نصيبهم من تلك السعادة، وليس الذنب في ذلك إلا ذنب الذين يرفضون الإسلام، ولا يتخذونه منهج حياة.
إن الإسلام قد أقام حضارته على مبادئ سامية وأواصر وثيقة، وجعل من أهم هذه المبادئ: المساواة، فالناس جميعا ولد آدم، وجميعهم أبناء حواء، فهم إذا اخوة لا يتفاخرون بنسب ولا عرق، وكيف وأبوهم واحد وأمهم واحدة،؟ ولا يتفاضلون بقومية ولا وطنية لأنهم يعيشون على أرض واحدة.