وأستطيع بالتالي أن أؤكد هذا المعنى في كل إبداع إنساني وصلت إليه عبقرية ذلك المخلوق الفذ العجيب ومن هنا أستطيع أن أقول: إن أي تطور في الحياة خاضع لتطور الإنسان نفسه، فلولا حاجاته الملحة في الاستطلاع والضرب في الأرض لما اخترع المراكب ولما حاول تطويرها، ولولا ميله الشديد إلى الظهور في المجتمعات بمظهر حسن لما تفنن في ابتكار الأزياء وتحسينها، ولولا ولعه القوي بالسكن الهادئ المريح لما أبدع هذا الإبداع في الفن المعماري، ولولا شعوره بالحاجة الماسة إلى العافية لما عرف الدواء، ولما طوره هذا التطور العجيب، وهكذا.
ولكن لا يزال هناك سؤال ملح لا يفارق عقل الباحث المحقق وهو: ما السر في اختصاص الإنسان بهذا التطور المطرد؟ ولماذا لم يشاركه غيره من المخلوقات؟
إننا نلاحظ أن حياة الحيوان والطير حياة رتيبة لم تفارقها منذ خلقت، ولن تفارقها حتى تقوم الساعة، إنها لم تحاول أن تطور عشها الساذج أو حظيرتها المتواضعة، ولم تتطلع إلى تغيير طريقة أكلها أو نمط سلوكها سوى ما كان خاضعا لتطوير الإنسان له كتعليمها وتدريبها على أنواع معينة وفي نطاق ضيق من السلوك وأداء بعض التصرفات، ومع أن هناك من الحيوانات والطيور تميزت بنوع خاص من الذكاء إلا أنها لم تستطع استغلال هذا الذكاء إلا في محاولات يسيرة من تقليد الإنسان ذاته في بعض تصرفاته.
أما الإنسان فإنه كل يوم في جديد يبدع ويبتكر، ويطور ويحسن وكلما وصل إلى غاية تطلع إلى ما فوقها دون أن يحده حد.
التطور من خلال المفهوم الإسلامي:
والتطور من خلال المفهوم الإسلامي هو كل تقدم سليم يحرزه الإنسان، ويحقق مصلحة للجنس البشري، سواء كان ذلك تقدما فكريا كالثقافات المختلفة التي تنير للناس طريقهم نحو مجتمع زاخر بالفضائل والمكرمات، أم كان تقدما ماديا كالمخترعات بأنواعها المختلفة.