ولقد أثنى على الإسلام ومعاملته للرقيق كثير من المنصفين من الأوروبيين والمستشرقين، فقد وصف المستشرق (فان دنبرغ) معاملة الإسلام للرقيق في هذه العبارة: "لقد وضع للرقيق في الإسلام قواعد كثيرة تدل على ما كان ينطوي عليه محمد وأتباعه نحوهم من الشعور الإنساني النبيل ففيها تجد من محامد الإسلام ما يناقض كل المناقضة الأساليب التي كانت تتخذها إلى عهد قريب شعوب تدعي أنها تسير في طليعة الحضارة".
نعم إن الإسلام لم يلغ الرق الذي كان شائعا في العالم، ولكنه عمل على كثير من إصلاح حاله، وأبقى حكم الأسير ولكنه أمر بالرفق.
يقول جوستاف لوبون: "إن الرق عند المسلمين غيره عند النصارى فيما مضى، وإن حالة الأرقاء في الشرق أفضل من حال الخدم في أوروبا، فالأرقاء يؤلفون جزءاً من الأسرة ويستطيعون الزواج ببنات سادتهم أحيانا- أي بعد أن يُعتقوا- ويقدرون أن يتسنموا أعلى الرتب، وفى الشرق لا يرون في الرقيق عارا، والرقيق فيه أكثر صلة لسيده من الأجير في بلادنا" [8] .
لماذا لم يبدأ الإسلام بإلغاء الرق؟
إن الإسلام قد وضع الأساس الأول لإلغاء الرقيق منذ خمسة عشر قرنا من الزمن، ولم يحاول أن يلغيه كما يقولون: بجرة قلم؛ لأن الإسلام دين إصلاح لا هدم، ولو دعا إلى تحرير كل العبيد لاهتز كيان العالم وفسدت المصالح وتعطلت حاجات الناس، وما استطاعوا في ذلك الوقت أن يأخذوا سيرهم في الحياة، فكانت الظروف الاجتماعية التي كانت موجودة عند ظهور الإسلام تحتم على كل مشرع حكيم أن يقر الرق في صورة ما، وتجعل محاولة إلغائه تصاب بالفشل والإخفاق.
وأيضا فإن الإسلام لم يقر الرق إلاّ في صورة تؤدي نفسها إلى القضاء عليه بالتدريج.