والشاهد أيها القارئ من هذه المقدمة أن تعلم أن هذه االآية الكريمة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} هي معيار الإيمان ودليل وجوده أو عدمه؛ فمن جاءه أمر الله أو أمر رسوله الجازم ورده بوصفه أنه حر ومختار في تصرفاته الشخصية إن شاء قبل الأمر أو رفضه، وإن شاء نفذ حكم الله تعالى وحكم رسوله أو نبذه وأهمله، فهذا العبد ما هو بمؤمن ولا يعد فرداً من أفراد المؤمنين إذ الآية تنفي وجود إيمان صحيح مع اختيار حر بالرفض والقبول لأحكام الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأعد قراءة الآية وتأمل فإنك ترى ذلك واضحاً بحمد الله تعالى.
تفسير الآية الكريمة
سبب نزولها:
قال القرطبي رحمه الله فى تفسيره الجامع لأحكام القرآن عند شرحه لهذه الآية:
"روى قتادة وابن عباس ومجاهد في سبب نزول هذه الآية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش، وكانت بنت عمته, فظنت أن الخطبة لنفسه, فلما تبين أنه يريدها لزيد مولاه كرهت وأبت وامتنعت وأمتنع معها أخوها عبد الله بن جحش لنسبها من قريش، وأن زيدا كان بالأمس عبداً, إلى أن نزلت هذه الآية فقال له أخوها مرنا بما شئت, فزوجها من زيد".
مباحث بعض ألفاظ الآية
(ما كان لمؤمن) : هذه الصيغة من التعبير يؤتى بها لنفي الشأن والحال لأنها أبلغ من نفي الفعل فقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً} أبلغ مما لو قال لا يقتل مؤمن مؤمنا لأن الأولى لنفى الشأن أي أن هذا الفعل لا يتأتى لصاحبه مع الإيمان بحال من الأحوال. وأما الثانية فهي لنفي الفعل فقط.
كما أن هذا التعبير في الآية أبلغ مما لو قال: لا يختر مؤمن على قضاء الله ورسوله قضاء غيرهما ولا على حكمهما حكم سواهما.
القضاء: الحكم بالشيء والأمر به على وجه الإلزام فعلا كان أو تركا.