إلا أن الأمر الذي قد يخفى على كثير من المسلمين هو ما يجب تصوره عن حقيقة تلك الأركان، فهي ليست مجرد أفعال تقوم الجوارح بأدائها، بل إن الشهادة ليست قولاً أجوف ينطق به اللسان فحسب، والصلاة ليست مجرد أفعال وحركات يمارسها المصلي في اليوم خمس مرات، والزكاة ليست مجرد اقتطاع جزء من المال لأدائه إلى فئة معينة، والصوم ليس تحسساً لمضايقات الجوع والعطش، والحج ليس مجرد تحمل لمشاق السفر من أجل طواف بالبيت أو التنقل بين المشاعر المقدسة. ليست هذه الأركان أفعالاً جوفاء خالية من المعاني السامية والحكم العظيمة التي ينبغي للمسلم أن يستشعرها حالة أدائه لها، ولا يهمنا هنا الحديث عن هذه المعاني لتلك الأركان جميعها بل من المناسب- وهذا العدد يصدر في فترة الحج- أن نذكر بأن هذا الركن الذي هو الخامس من أركان الإسلام قد فرضه الله تبارك وتعالى على كل من استطاع إليه سبيلا من أبناء هذه الأمة لحكم عظيمة أرادها، علمنا منها ما علمنا وخفي علينا الكثير. فالمسلمون حينما يتجهون إلى قبلتهم تلبية لنداء الله تعالى لأبينا إبراهيم الخليل عليه السلام إذ أمره بقوله سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} , واستجابة لأمر الله القائل {عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فإنهم بذلك يحصدون من المكاسب العظيمة ما ينفعهم في الحياة الدنيا، ومن الثواب الكبير ما تقر به أعينهم في الآخرة. وإذا كانت المكاسب الدنيوية المباحة ثمرة من ثمار الحج، فإن الحج المبرور الذي وعد صاحبه بالجنة في قوله عليه الصلاة والسلام: " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" أعظم ثمرة يجنيها الإنسان ليتزود بها من دار الممر إلى دار المقر, حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، إلا أن لتحقق هذه الثمرة المرجوة من الحج شروطا حتمية