يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران/164) والعلاقة وثيقة بين الحكمة والبصيرة فكلاهما من أعمال القلب والعقل وقد وصف الله سبحانه وتعالى الإنسان بأنه على نفسه بصيرة والبصيرة هي القدرة إلى النفاذ إلى الأشياء ومعرفتها وحسن تقديرها والقدرة على التصرف فيها ولما بين البصيرة والحكمة من علاقة قوية دعا الله سبحانه إلى اتخاذهما وسيلتين في الدعوة إليه فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل/125) كما قال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف/108) . ومن هنا فإن تكوين البصيرة في القلب المؤمن غاية من غايات التربية ووسيلة من وسائلها أيضاً ولذلك يقول الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} (الأنعام/104) ، والبصيرة والحكمة بمعنى التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ عن طريق الإحساس الداخلي أو الوجدان من هبات الله على الناس، فالله سبحانه وتعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} (البقرة/269) ؛ لأن الحكمة: "هي نفاذ البصيرة إلى سنن الحوادث ومجريات الأمور، وإتقان العمل والتصريف، دون صدام مع قوانين الظواهر في ضوء ظروف العصر الذي تواكبه لدى الفقيه القدرة على استنباط التشريعات والأحكام اللازمة في ميادين الحياة المختلفة حسب الظروف والأحوال، وهي لدى القائد فهم معنى الجهاد والوقوف على منطلقاته وأهدافه وتنظيماته وحسن