ومن هذه المآخذ: تأويله لقصة نزول المائدة تأويلا عجيبا، يخضع فيه القرآن لأقاصيص العهد الجديد، وللخرافات الإسرائيلية، ونقل القصة التي نقلناها آنفا عن إنجيل متى، ثم قال: "إن هذه المسألة هي مسألة المائدة السماوية، ومعنى كونها سماوية أن الله تعال بارك في الطعام بطريقة غير معروفة ولا مألوفة، وقد حكيت في القرآن".

وبعد ذكر الشيخ لآيات سورة المائدة، وآراء المفسرين في نزولها، أو عدم نزولها، عاد ليؤكد رأيه بقوله: "وأنا أكرر القول: إن مسألة المائدة هي مسألة الأرغفة الخمسة والسمكتين، والمراد بإنزالها عليهم: أن يرزقهم الله الطعام الكثير من حيث لا يحتسبون".

ثم عاود القول [55] : "إنه يمكن حمل إنزال المائدة من السماء على تيسير الطعام لهم بدون الأسباب العادية التي يعرفونها، وقد جرى العرف على تسمية الأشياء التي يعجز الناس عن تعليلها بأنها سماوية، وذكر ذلك في كتب الفقهاء كثيرا، وتكثير الطعام القليل إلى أن يعم الآلاف من الناس أمر يعجز البشر بمقتضى بشريتهم عن أن يأتوا بمثله" اه.

ب- المآخذ على تأويله:

المأخذ الأول: تفسير القرآن بالأعراف، والعرف مختلف باختلاف الناس والزمان والمكان، وذلك كما ترى في قوله: "وقد جرى العرف على تسمية الأشياء التي يعجز الناس عن تعليلها بأنها سماوية".

المأخذ الثاني: صرف القرآن عن الظاهر المتبادر، وعن دلالة السياق، ليوافق رواية في الإنجيل لو سلمنا جدلا بصحتها فهي مختلفة عن مائدة الحواريين، ثم دعواه أنه يتحدى لجنة العلماء أن تأتي من ألفاظه ما يبين أنه قال بصحة إنجيل (متى) ، ونقول له لا دليل عليك أقوى ولا أبلغ مما فعلت.

المأخذ الثالث: زعمه أن [56] معجزة المائدة ليس فيها نص قطعي الثبوت والدلالة، وهو زعم ما كان لمثله أن ينزل نفسه هذا المنزل الوعر، فآيات سورة المائدة قطعية الثبوت إيمانا يقينا منا ومنه، ودلالتها أيضا كذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015