ذكرنا منذ قليل رأي الحافظ ابن كثير الذي يقول فيه: "إن خبر المائدة لا يعرفه النصارى وليس في كتابهم"، ولقد حاول الشيخ عبد الوهاب النجار [53] أن يأخذ من كلام ابن كثير ما يوافق هواه، ثم ادعى أن الإشارة إلى المائدة قد وجدت في كتب النصارى؛ مستندا في ذلك إلى قصة وردت في (إنجيل متى) تتفق بعض الاتفاق مع بعض الروايات الواهية والمدخولة في كتب التفسير عن المائدة، وتختلف كل الاختلاف عن ما ذكره العلي الأعلى في القرآن الكريم عن المائدة.
فما هي رواية (متى) في إنجيله؟
ابتدأ (متى) الإصحاح الرابع عشر بذكر قصة قتل يوحنا (يحيى عليه السلام) على يد الحاكم الروماني هيرودس، ثم انتقل إلى القصة التي توهم الشيخ النجار أنها هي قصة المائدة، ونص عبارات (متى) هو: "ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين: الموضع خلاء، والوقت قد مضى، اصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى، ويبتاعوا لهم طعاما، فقال لهم يسوع: لا حاجة لهم أن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا، فقالوا له: ليس عندنا هاهنا إلا خمسة أرغفة وسمكتان، فقال: ائتوني بها إلى هنا، فأمر الجموع أن يتكئوا على العشب، ثم أخذ الأرغفة والسمكتين، ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر، وأعطى الأرغفة للتلاميذ.. والتلاميذ للجموع، فأكل الجميع وشبعوا، ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة، والآكلون كانوا خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد" [54] .
5- أ - تأويل صاحب قصص الأنبياء لنزول المائدة:
حينما أصدر الشيخ محمد عبد الوهاب النجار كتابه (قصص الأنبياء) قارن المنصفون كتابه بكتاب قصص الأنبياء للثعلبي المسمى (بعرائس المجالس) ، وهو كتاب قمَّ فيه مؤلفه الكثير من الإسرائيليات والخرافات، فكانت عقبى المقارنة رجحان كتاب الشيخ النجار، لكن كتابه لم يخل من هفوات تعد عليه، ولا من مآخذ أمرها لم يكن هونا، وقد انتقدتها عليه لجنة من كبار العلماء حين صدور الكتاب.