وبعد؛ فإن الله - تعالى ذكره - لا يخلف وعده، ولا يقع في خبره الخلف، وقد قال - تعالى ذكره - مخبرا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم حين سأله ما سأله من ذلك: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَليْكُمْ} ، وغير جائز أن يقول تعالى ذكره: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَليْكُمْ} ثم لا ينزلها؛ لأن ذلك منه - تعالى ذكره - خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر، ولو جاز أن يقول: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَليْكُمْ} ثم لا ينزلها عليهم جاز أن يقول: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ العَالمِينَ} ، ثم يكفر منهم بعد ذلك فلا يعذبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة، وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك"اه.

3- محتويات المائدة:

أسهب بعض المفسرين في ذكر محتويات المائدة من الأرغفة، ومشوي السمك الدسم، وما نضد حولها من كل البقول، وما وضع عليها من الزيتون، والرمان، والثمرات.

ومن هذا ما فعله القرطبي حين نقل عن غيره - وأنصف فذكر أسانيد نقوله - وكان مما قال عن حديث محتويات المائدة: (في هذا الحديث مقال ولا يصح من قبل إسناده) ، وبعد مناقشة الأسانيد والكلام في رفعها أنهى مطافه بهذه العبارة الجامعة: "والمقطوع به أنها أنزلت، وكان عليها طعام يؤكل والله أعلم بتعيينه" [50] .

ولقد سبقه إلى هذا المنهج القويم شيخ المفسرين الطبري حين قال [51] : "وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة فأن يقال: كان عليها مأكول، وجائز أن يكون سمكا وخبزا، وجائز أن يكون ثمر من ثمر الجنة، وغير نافع العلم به، ولا ضار الجهل به، إذا أقر تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل"اه.

4- المائدة في رواية (إنجيل متى) [52] :

طور بواسطة نورين ميديا © 2015