حدثنا الطبري [46] من أنبائهم، وحكى لنا اختلافهم في مقالة الإنكار، فذكر عن بعضهم أنهم قالوا: (إنما هذا مثل ضربه الله تعالى لخلقه، نهاهم به عن مسألة نبي الله الآيات، ولم ينزل شيء) .
ونسب هذا الرأي إلى مجاهد.
وقال آخرون إن القوم لما قيل لهم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ العَالمِينَ} استعفوا منها فلم تنزل.
وعزا الطبري هذا الرأي إلى الحسن.
وقد تعرض ابن كثير [47] لرأي المنكرين لنزولها؛ فقال عنه من حيث الإسناد: وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن.
ثم ارتأى ابن كثير أن يعرض حجج المنكرين لنزولها والمثبتين؛ فقال محتجا لدعوى الإنكار: وقد يتقوى ذلك (يعني إنكار نزولها) بأن خبر المائدة لا يعرفه النصارى وليس هو في كتابهم [48] ، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما تتوفر الدواعي على نقله، وكان يكون موجودا في كتابهم متواترا، ولا أقل من الآحاد والله أعلم.
ثم قال عن رأي المثبتين: "إنه هو الذي عليه الجمهور، وهو الذي اختاره ابن جرير، ونقل حجة ابن جرير في الإثبات، ثم بين ابن كثير موقفه هو بقوله: وهذا القول - والله أعلم - الصواب، وكما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف"اه.
2- رأي ابن جرير الطبري:
استعرض ابن جرير رأي المثبتين لنزولها والمنكرين، ثم انتهى إلى تقرير موقفه [49] وهو: "والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن الله - تعالى ذكره - أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألته ذلك ربه؛ وإنما قلنا ذلك للخبر الذي روينا بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأهل التأويل من بعدهم، غير من انفرد بما ذكرنا عنه.