لقد علم هؤلاء المستعمرون أن الإسلام هو سر قوة المسلمين، وهو العامل الحقيقي للتقدم الذي أحرزوه يوم كانوا متمسكين به؛ فعملوا على إبعاد المسلمين عن دينهم، وعلموا أن البلاد الإسلامية العربية منها وغير العربية فيها من الخيرات والثروات ما يجعلها أغنى وأرقى بلاد العالم، فاستغلوا هذه الخيرات لأنفسهم وحرموا سكان البلاد الأصليين من خيرات بلادهم، وأقاموا صناعات بلادهم على تلك الخامات التي استخرجوها من بلاد المسلمين.
إن أبسط قواعد الذوق الإنساني أن يحترم النزيل صاحب البيت الذي ينزل فيه، وأن يقدم له العون فيما يعجز عن القيام به، وأن يقف إلى جواره فيما يحتاج إلى معونة، ولكن الاستعمار الغربي كان قد حرم من أبسط قاعد هذا التذوق؛ فسرق خيرات البلاد التي نزل فيها، وأذل صاحب البيت الذي آوى إليه، لقد كان من واجب الاستعمار ذوقيا وإنسانيا أن يطور هذه البلاد التي احتلها، وأن يدرب أهلها على ما يحتاجون إليه من أنواع الصناعات التي حذقها، ولكن هيهات! وهو في الحقيقة لم يستعمرها إلا لإضعافها وإذلالها.
وأما ثانيهما: فهو ابتعاد المسلمين عن دينهم - الإسلام – وهذا السبب كما رأينا يرجع إلى السبب الأول، وإن تصريحات زعماء الاستعمار لتعطي هذا التصور بوضوح، ولم يحاول الاستعمار أن يخفي وجهه الكالح في محاربة الإسلام ومحاولة إبعاد المسلمين عن دينهم، يقول القسيس زويمر في مؤتمر القدس الذي دعا إليه المبشرين في العالم: ليست مهمتكم إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريما، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها [67] .
لقد كان إبعاد المسلمين عن دينهم هدفا أساسيا من أهداف الكنيسة بالتعاون مع الجيوش الصليبية الغازية، وقد نجحت فعلا في ذلك نجاحا يفوق كل نجاح.