ينأى الزار به، والدار دانية ... يا حبذا الفال لو صحت زواجره
خلي، أبا الجيش، هل يدنو اللقاء بنا ... فيشتفي منك طرف أنت ناظره
قصاره قيصر أن قام مفتخراً ... لله أوله مجداً وآخره
قلت فيما تقدم أن ملوك الطوائف كانوا منقسمين على أنفسهم، وأن الحرب كانت دائرة بينهم. فإليكم مثالاً واحداً مما يتعلق بابن زيدون. وذلك أن الحرب وقعت بين المعتضد صاحب اشبيلية، وبين ابن الأفطس صاحب بطليوس، فانهزم ابن الأفطس هزيمة فظيعة، وخسر خسارة جسيمة، فقال ابن زيدون يهنئ المعتضد:
ليهن الهدى إنجاح سعيك في العدا ... وإن راح صنع الله نحوك واغتدى!
وبشراك دنيا غضة العهد طلقة ... كما ابتسم النوار عن أدمع الندى!
دعوت فقال النصر. لبيك ماثلاً، ... ولم تك كالداعي يجاوبه الصدى!
وأحمد عقب الصبر في درك المنى، ... كما بلغ الساري الصباح فاحمدا.
ولما اعتضدت الله كنت مؤملاً ... لديه بأن تحمي وتكفي وتعضدا.
وجدناك أن ألقحت سعياً نتجته، ... وغيرك شاو حين أنضج أرمدا.
سل الخائن المغتر: كيف احتقابه ... مع الدهر عاراً بالفرار مخلدا؟
رأى أنه أضحى هزبراً مصمماً! ... فلم يعد أن أمسى ظليماً مشردا!
يود إذا ما جنه الليل أنه ... أقام عليه آخر الليل سرمدا!
وأصبح يبكيه المصاب بثكله ... بكاء لبيد حين فارق أربدا.
هذا مع أن ابن زيدون سبق له مدح ابن الأفطس بمديحة غراء في قصيدته التي يقول فيها:
لبيض الطلى ولسود اللمم ... بقلبي مذبن عني لمم!
ففي ناظري عن رشادي عمم، ... وفي أذني عن ملامي صمم!
مليك إذا طاولته الملوك ... حوى الخصل، أو ساهمته شهم.
فأطولهم بالأيادي يدا ... وأثبتهم ف المعالي قدم.
وأروح، لا مبتغي رفده ... يخيب ولا جاره يهتضم.
أبوه الذي فل غرب الضلا ... ل ولاءم شعب الهدى فالتأم.
فلا سامي الطرف إلا أذل ... ولا شامخ الأنف إلا رغم.