فاعترض الدهر فيما شئته ... مرتقي في صدره لم يهجس!

ولكن هل أنساه ذلك ولاّدة ومحاسنها، أم قرطبة ومساكنها؟

كلا! فلم يزل صاحبنا مشغوفاً بهذه وبتلك، وأشعاره أكبر دليل على ذلك. فكلما حانت له فرصة، أو هزته نشوة، قال فيها أقوالاً تذيب الفؤاد.

فلقد تشوق إلى قرطبة وساكنيها بقصيدة تدل على حنينه لها ولمن فيها، فقال:

على دارة الشرقي مني تحية ... زكت وعلى وادي العقيق سلام

ولا زال روض بالرصافة ضاحك ... بأرجائها يبكي عليه غمام!

معاهد لهو لم نزل في ظلالها ... تدار علينا للسرور مدام

زمانٌ رياض العيش خضر نواعم ... ترف وأمواه النعيم جمام

فإن بان مني عهدها فبلوعة ... يشب لها بين الضلوع ضرام

تذكرت أيامي بها فتبادرت ... دموعي كما خان الفريد نظام!

ومن أجلها أدعو لقرطبة المنى ... بسقي ضعيف الطل وهو رهام!

محل نعمنا بالتصابي خلاله ... فأسعدنا والحادثات نيام!

فما لحقت تلك الليالي ملامة، ... ولا ذم من ذاك الحبيب ذمام!

وكان يبلغه عن بني جهور ما يسوءه في نفسه وقرابته في قرطبة، فقال يخاطبهم:

بني جهور أحرقتمو بجفائكم ... فؤادي؟ فما بال المدائح تعبق!

تعدونني كالعنبر الورد، إنما ... تفوح لكم أنفاسه حين يحرق!

وأما أمداحه في المعتضد بن عباد فشيء كثير جليل. وأذكر فقط بيتين أرسلهما إليه مع هدية من باكورة التفاح، وهما:

يا من تزينت الريا ... سة حين ألبس ثوبها!

جاءتك جامدة المدا ... م، فخذ عليها ذوبها!

وقد كتب عنه إلى صهره الموفق أبي الجيش بن مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية المعروفة الآن بجزائر الباليار:

عرفت عرف الصبا إذ هب عاطره ... من أفق من آنا في قلبي أشاطره

أراد تجديد ذكراه على شحط ... وما تيقن أنى الدهر ذاكره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015