تقيل في العز من حمير ... مقاول عز جميع الأمم.
نجوم هدى والمعالي بروج، ... وأسد وغى والعوالي أجم.
أبا بكر أسلم على الحادثات ... ولا زلت من ريبها في حرم!
وأني لأصفيك محض الهوى ... وأخفي لبعدك برح الألم!
ولا غرابة في ذلك. فالملك عقيم، وتصاريف السياسة تقضي بالتغيير من حال إلى حال، خصوصاً إذا انقسمت أمة من الأمم على نفسها، وخاضت في غمار الخطوب والفتن. وفوق ذلك أفليس التقلب من مديح إلى هجاء ومن ملام إلى سلام، هو سجية من سجايا الشعراء الكرام وغير الكرام.
فلما مات المعتضد بن عباد وتولى الملك ابنه المعتمد ابن عباد كان لابن زيدون عنده تلك الكرامة وهذه الحفاوة، تدلنا على ذلك شهادة التاريخ ويؤيدها قول ابن زيدون نفسه في رثاء المعتضد ومخاطبته روحه بعد دفنه.
أعباد، يا أوفى الملوك لقد عدا ... عليك زمان من سجيته الغدر!
فهلا عداه أن علياك حلية ... وذكراك في أردان أيامه عطر؟
أأنفس نفس في الورى أقصد الردى ... وأخطر علق للهدى اقبر الدهر؟
فهل علم الشأو القدس أنني ... مسوّغ حال ضل في وهمها الفكر؟
وإن متاتي لم يضعه محمد ... خليفتك العدل الرضا وابنك البر
وأرغم في بري أنوف عصابة ... لقاؤهم جهم ومنظرهم شزر؟
إذا ما استوى في الدست عاد حبوة ... وقام سماطاً خلفه فلى الصدر،
ومن المعلوم أن ابن زيدون هو الذي دبر دولة المعتضد واظهر صولته وأغراه بأعدائه وزين له الإيقاع بعماله، ووزرائه فغدا شجا في صدورهم، ونكداً في سرورهم، فلما آل الأمر إلى المعتمد. قام حساده وخصومه وسعوا لديه في النكاية به، ثم رموا إليه برقعة فيها قصيدة طويلة أولها:
يا أيها الملك العلي الأعظم ... اقطع وريدى كل باغ ينئم!
واحسم بسيفك داء كل منافق ... يبدي الجميل وضد ذلك يكتم!
وهي قصيدة طويلة تتألف من 27 بيتاً كلها إغراء بابن زيدون، على سبيل التصريح