عاتبته على تأخره عن مضافرتي، وتقصيره في مؤازرتي. فاعتذر بأن ذلك لا سبيل إليه، ولا منفذ للحيلة فيه. إذ المحرض علي لا تتأتى معارضته، ولا يتهيأ الاستبداد عليه، وأنه وصفني بالبذاء، وعابني بالتسلط على الأعراض. ووالله! ما استنجزت هذا، بعد أن هتك من ستري ما هتك، وأنهك ما انتهك، إن كنت أقول معذوراً، وأنفث مصدوراً. فكيف قبل ذلك، إذ لم يحدث سبب ولا عرض موجب؟ ومالي وهذا الجني تم مالياً! وستكتب شهادتهم ويسألون. . .
ووالله ما توهمت أني أوتي ممن أوتيت منه، مع اتصالي به وانقطاعي إليه واتسامي بالتأمل له والتعويل عليه. أن المعارف في أهل النهي ذمم. . .
لقد كان من محاسن الشيم، وشروط المروءة والكرم، أن يهب لي ما أنكر لما عرف، ويغفر ما سخط لما رضي، ويدفع بالتي هي أحسن، ويؤثر الذي هو أجمل وأرفق، ويتوقف عندما نص له من سعاية، وزف إليه من وشاية. فإن كان باطلاً ألقاه وفضح المخبر المتقرب به وأقصاه. ون كان حقاً صبر صبر الحليم. وأغضي إغضاء الكريم. وقبل إنابة المعتب، واقتصد في مؤاخذة المذنب. فقدم التوقيف قبل التثقيف، والتأنيب قبل التأديب. فإن الرفق بالجاني عتاب. والحر يلحى والعصا للعبد. . .
وهو يرى ويسمع أن بالحضرة قوماً لا يحصرهم العد، تحتمل سقطاتهم وتغتفر هفواتهم، وتقال عثراتهم. . .
وما أعلم أنهم يدلون بوسيلة إلا شاركتهم فيها، ولا يمتون بذريعة ينفردون دوني بها. . .
فإن كانت مسامحتهم لسابقة سلفت فقد أحرزت منها الحظ الأعلى أو لكمال أدب فقد ضربتُ فيه بالقدح المعلى، أو للطف تودد فما قصرتُ في الاجتهاد غير أني حرمت التوفيق. والأمر لله رب مجتهد ما خاب إلا لأنه جاهد والله لقد أظهرت مدحه، وأضمرت نصحه، وتممت على الصاغية له، وجريت ملء العنان إلى الاعتلاق به، اسقيه السائغ من مياه ودي. واكسبه السابغ من برود حمدي، وأجنبه الغض من ثمرات شكري، وأهدي إليه العطر من نفحات ذكري. لا يفيدني التحبب إليه، إلا ضياعاً لديه. ولا يزيدني التقرب منه. إلا بعداً عنه.
والذي أحبه منك وأثق ف المسارعة إليه بك، لقاؤه مجارياً ذكرى، مفاوضنا في امرئ،