وكنت أول حبسي قد وُضعت من السجن في موضع قد جرت العادة بوضع مستوري الناس وذوي الهيئات منهم فيه. وفي الشر خيار، وبعضه أهون من بعض. ثم اقتضى نقلي إلى حيث الجناة المفسدون، واللصوص المعتدون. وشكوت ذلك إلى الحاكم الحابس لي. . . فانتفى من الرضا به وأظهر الامتعاض. وتقدم إلى الموكل بالسجن في اختيار مجلس، أباين فيه من لا تليق بي ملابسته، وأنتبذ عمن لا تُرضى لي مجالسته. ثم لم ألبث أن أحضره (أي الموكل بالسجن) مجلس نظره وأمر بتأديبه على امتثاله فيما أمره به وانتهائه إلى ما حده له. واستأنف العهد في التضييق عليّ، زمنع من اعتاد صلتي من الوصول إلي. فأصعدت إلى غرفة في السجن أقنعني بها مع خساستها وامتلأت بالكون فيها على مضاضتها انفرادي من لفيف الأخلاط ومن ضمه السجن من السفلة والسقاط. فحين استوائي إليها عهد بحطي إليهم وخلطي بهم ووضعي بينهم فنقلت على أقبح النصب وأسوء الرتب. ودخل إلي في هذه الحال من أبلغ إليّ عن ابن الحكم رسالة جامعة من فنون مشتملة من الوعيد. فتبين لي أن ايحاشي نفسي بايناس أهلي، وقطعها في مواصلة وطني غبنٌ في الرأي وخور في العزم. ووجدت الحر ينام على الشكل ولا ينام على الذل. ولم استغرب أن أسأم بمثل هذا الخسف في مسقط رأسي، فقد ضاع المرء الفاضل في وطنه. فاستخرت الله عز وجل، واضح وجه العذر، ثابت قائم الحجة، عند من غصن عين الهوي، وخزن لسان التعسف. والله يصيب غرض الصواب برأي، ويقرب غاية النجاح على من سعى، حسبما ذلك في علمه أني مظلوم، مبغي علي، منسوب ما لم آته إلي ولعمرك يا سيدي أن ساعة العذر لتضيق عنك، وما تكاد تتسع لك في إسلامك تلميذك وابن جارك وشيخك الذي لم تزل آخذاً عنه مقتبساً منه، مع إكثارك من ذكر هذا والاعتداد به وادعاء الحفظ له. وقد رويت أن حسن العهد من الأيمان، ولكن من لك بأخيك كله؟ وما حم واقع، ولا حذر من قدر، وقد سبق السيف العذل! وتقدم من فعلي ما جف به القلم. وأنا الآن بحيث أمنت بعض الأمن، ألا إن نذراً من وعيد سقط إلي بأن السعي لم يرتفع، وأن مادة البغي لم تنقطع، وأن البصيرة مستحكمة في استرجاعي من الأفق الذي أحل به، والجناب الذي أحط فيه. وأكد ذلك ف ظني ما كان إشارة لي إليه بعض من كنت آوي إلى الثقة بعهده، وأبني على الوثاقة من عقده، من الفقهاء الموسومين بالثرة عند لحكم المذكور والمكانة منه. وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015