وما بك من فقر إلى نصر ناصر، ... كفاك من الله الكلاءة والنصر
ولكننا نعود إلى ولاّدة ونتساءل هل نسي أبو الوليد ولاّدة؟ كلا بل عاد إلى التودد إليها والتقرب منها، وكان يذكرها في قرطبة وغير قرطبة ويراسلها بأشعاره الرائقة الفائقة.
ذهب مرة إلى الزهراء يتأمل في محاسنها فوصفها بقوله:
أني ذكرتك بالزهراء مشتاقا، ... والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله، ... كأنما رق لي فاعتل إشفاقا
والروض عن مائه الفضيّ مبتسم، ... كما حللتِ عن اللبات أطواقا
يوم كأيام لذات لنا انصرمت ... بتنا لها حين نام الدهر، سراقا
تلهو بما يستميل العين من زهر ... جال الندا فيه حتى مال أعناقا
كأن أعينه، إذ عاينت أرقى، ... بكت لما بي، فجال الدمع رقراقا
ورد تألق في ضاحي منابته، ... فازداد منه الضحى في العين إشراقا
سري بنا فجة نيلوفر عبق ... وسنان نبه منه الصبح أحداقا
كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا ... إليك، لم يعد عنها الصدر إن ضاقا
لو كان وَّفي المنا في جمعنا بكم، ... لكان من أكرم الأيام أخلاقا
لا سكن الله قلباً عنّ ذكركم، ... فلم يطر بجناح الشوق خفاقا
لو شاء حملى نسيم الريح حين هفا، ... وافاكم بفتى أضناه مالاقا
كان التجازي بمحض الود من زمن ... ميدان أنس جرينا فيه إطلاقا
فالآن أحمد ما كنا لعهدكم ... سلوتم؟ وبقينا نحن عشاقا
ثم أرسله ابو الوليد بن جهور سفيراً إلى حضرة إدريس الحسني بمالقة، فأطال الثواء هنالك واقترب من إدريس وخف على نفسه وأحضره مجالس أنسه فعتب عليه ابن جهور وصرفه عن السفارة بينه وبين أمراء الأندلس فيما يجري بينهم من التراسل والمداخلة.
2_إلى هنا انقضت أيامه في قرطبة. فلقد خشي أبو الوليد أن يلاقي من الوليد ما لاقاه من الوالد. وحينئذ صحت عزيمته على الهجرة من قرطبة والذهاب إلى المعتضد بن عباد باشبيلية. فلامه بعض اخصائه على ما اعتزمه من التحول عن وطنه وهجرة أهله وخلانه فكتب إليه رسالة ضافية يعتذر فيها لنفسه ويقول من جملتها ما نصه: