ومن السجن خاطب صديقه أبا حفص بن برد، وقد حار لم يجد هادياً، وصار رهيناً لا يرجو فادياً، وعلم أن الناس متقلبون، وعلى من انقلب به الدهر منقلبون، لا يدينهم في الشدة إخاء، ولا يثنيهم عن ذي الخطوة زهو ولا انتماء:
ما على ظني باسُ ... يجرح الدهر ويأسو!
ربما أشرف بالمر ... ء على الآمال يأسُ!
ولقد ينجيك أغفا ... لٌن ويرديك احتراس!
والمحاذير سهام، ... والمقادير قياس!
ولكم أجدى قعود، ... ولكم أكدى التماس!
وكذا الحكم إذا ما ... عز ناس، ذل ناسُ
وبنو الأيام أخيا ... ف: سراة وخساس
نلبس الدنيا، ولكن ... متعة ذاك اللباس
يا أبا حفص، وماسا ... واك في فهم إياس!
من سنا رأيك لي في ... غسق الخطب اقتباس
وودادي لك نص ... لم يخالفه القياس!
أنا حيران وللأم ... ر وضوح والتباس
لا يكن عهدك ورداً، ... إن عهدي لك آس!
وأدِر ذكرىَ كاسا، ... ما امتطت كفك كاس
فعسى أن يسمح الده ... ر، فقد طال الشماس
واغتنم صفو الليالي، ... إنما العيش اختلاس
ما ترى في معشر حا ... لوا عن العهد وحاسوا؟
ورأوني سامرياً، ... يُتَّقى منه المساس
أذؤبٌ هامت بلحمي: ... فانتهاب وانتهاس
كلهم يسأل عن حا ... لي وللذئب اعتساس
إن قسا الدهر، فللما ... ء من الصخر انبجاس
ولئن أمسيت محبو ... سا، فللغيث احتباس