هي الماء يأبى على قابض ... ويمنع زبدته من مخض
ونبئتها بعده استحمدت ... يسرى إليك لمعنى غمض
أبا عامر عثرة فاستقل ... اتبرم من ودنا ما انتفض
ولا تعتصم ضلة بالحجاج ... وسلم فرب احتجاج دحض
وحسبي أني أطبت الجنى ... ل يأبه وأبحت النفض
ويهنيك أنك يا سيدي ... غدوت مقارن ذاك النفض
ثم كتب له رسالته المشهورة على لسان ولاّدة، وقد عبث فيها به كما عبث الجاحظ في رسالته التربيع والتدوير بأحمد بن عبد الوهاب الكاتب في بغداد. فاشتهرت رسالة ابن زيدون في المشارق والمغارب. وهي التي شرحها كثير من أدباء المشارقة، كابن نباتة والصفدي. وشرح ابن نباتة قد طبع في مصر مراراً. وهو في غاية الحسن ونهاية الفائدة. وأما شرح الصفدي لهذه الرسالة فلم يصلنا.
على أن ابن عبدوس لم ينثن عن محاولته، حتى تمكن من أيقاع الجفوة بين أبن زيدون وولاّدة واستأثر بها دونه، فاغتاظ ابن زيدون والتجأ إلى قريضه القارص، فلسع الرجل بقوله:
أكرم بولادة ذخر المدخر ... لو فرقت بين بيطار وعطار
قالوا أبو عامر أضحى يلم بها ... قلت الفراشة قد تدنو من النار
عيرتمونا بأن قد صار يخلفنا ... فيمن نحب وما في ذاك من عار
أكل شهي أصبنا من أطايبه ... بعضاً وبعضاً صفحنا عنه للفار
ولقد فاز ابن زيدون بمناه، من إقاء الفار عن حماه، بل أن ولاّدة أخذت تعبث بذلك الوزير، حتى أنها مرت به ذات يوم في تربها وسربها وكان الوزير ابن عبدوس جالساً على باب داره يستنشق الهواء العليل، وكانت أمام داره بركة تجمعت فيها مياه المطر، وانساق إليها شيء من أقذار الدار. كان الوزير جالساً في أبهته وعظمته وقد نشر كميه، ونظر في عطفيه، وحشر أعوانه إليه. فلما قربت منه ولاّدة نادته باسمه فهش إليها وبش، واقترب من البدر، فقالت له وهي تشير إلى البركة: يا ابن عبدوس
أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر