يا نازحاً وضمير القلب مثواه ... أنستك دنياك عبداً أنت دنياه

ألهتك عنه فكاهات تلذ بها ... فليس يجري ببال منك ذكراه

علّ الليالي تبقيني إلى أمل ... الدهر يعلم والأيام معناه

ولما كان مجلس ولاّدة بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر. يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهافت أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة مسامرتها. وهي مع ذلك محافظة على علو النصاب، وكرم الأنساب، وطهارة الأثواب. ولقد طمع بعضهم في الاستئثار بها دون ابن زيدون. فنازعه على حبها، وزاحمه في ودها، رجل من رجالات عصره. وهو أبو عبد الله البطليوسي. فكتب إليه ابن زيدون يزجره بهذا الرجز:

أيا عبد الإله اسمع ... وخذ بمقالتي أو دع

وأنقص بعدها أو زد ... وطر في أثرها أو قع

ألم تعلم بأن الده ... ر يعطي بعد ما يمنع

فإن قصارك الدها ... يز حيث سواك في المضجع

ومنهم الوزير أبو عامر بن عبدوس الملقب بالفار، وكان ممن أكابر رجالات قرطبة، فاغتاظ ابن زيدون وبعث له بهذه الأبيات:

أثرت هزبر الشرى إذ ربض ... ونبهته إذ هدا فاغتمض

وما زلت تبسط مسترسلاً ... إليه يد البغي لما انقبض

أبا عامر أين ذاك الوفا ... إذ الدهر وسنان والعيش غض

وأين الذي كنت تعتد من ... مصافاتي الواجب المفترض

حذار حذار فإن الكريم ... إذا سيم خسفا أبي فامتعض

وإن سكون الشجاع النهو ... ش ليس بمانعه أن يعض

عمدت لشعري ولم تتئد ... تعارض جوهره بالعرض

أضاقت أساليب هذا القري ... ض أم عفا رسمه فانقرض

لعمري لفوقت سهم النضال ... وأرسلته لو أصبت الغرض

وشمرت للخوض في لجة ... هي البحر ساحلها لم يخض

وغرك من عهد ولادة ... سراب تراآى وبرق ومض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015