الغوادي في ثغور الأقاح.
وإذا تصفحنا دواوين الأدب عند الأمم الأخرى لا نجد له شبيهاً سوى تيبولسشاعر الرومان.
وتنقسم حياة ابن زيدون إلى قسمين مهمين في قرطبة في اشبيلية.
أولاً_في قرطبة: برع ابن زيدون في الأدب، حتى كان أبو الوليد في الأندلس شبيهاً ومثيلاً لأبي الوليد في دولة المتوكل العباسي. وقد سماه الناس بحتري الأندلس. ولقد صدقوا. فمن جملة المحفوظ عنه في صباه قوله:
أخذت ثلث الهوى غصباً ولي ثلث ... وللمحبين فيما بينهم ثلث
تالله لو حلف العشاق أنهم ... موتى من الوجد يوم البين ما حنثوا
قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا ... ماتوا فإن عاد من يهوونه بعثوا
ترى المحبين صرعى في عراصهم ... كفتية الكهف ما يدرون مالبثوا
ثم هام بعد ذلك بحب ولاّدة بنت المستكفي الخليفة الأموي بالأندلس. وكانت أديبة، شاعرة، جزلة القول، حسنة الشعر. تناضل الشعراء وتساجل الأدباء. وعمرت عمراً طويلاً ولم تتزوج قط. جاءت على خلاف أبيها في كل أوصافها، فكانت مصداقاً لقوله تعالى يخرج الحيّ من الميت وقد ابتذل حجابها بعد نكبة أبيها وقتله، فصارت تجلس للشعراء والكتاب وتعاشرهم وتحاضرهم، ويتعشقها الكبراء منهم. وكانت على خلق جميل، وأدب غض. وكان لأبن زيدون معها أخبار تطرف القلوب، وتشغف المسامع. لأنه خلع في هواها العذري عذاره. وقد شهد المؤرخون كلهم لها بالعفة والصيانة. ولكن الشعراء في كل واد يهيمون، فكيف لا يهيم بولاّدة أبو الوليد بن زيدون. والمقام لا يتسع لأشعاره فيها وأشعارها إليه، ولكني آتيكم براموز ومثال، واترك الباقي لغير هذا المجال.
ودّعها ذات يوم فأنشدها مرتجلاً
ودّع الصبر محب ودعك ... ذائعاً من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك
يا أخا البدر سناءً وسنا ... حفظ الله زماناً أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك
ثم قال