تولاهم الضعف. فاستنصروا بالمرابطين فانتظم الشمل، وعادت المياه لمجاريها. ولكن إلى أجل معين. ثم عاد الانشقاق والانقسام. فانمحت كلمة الإسلام، وانطفأ ذلك النور، وباد القوم عن آخرهم في سنة 897 للهجرة، بعد أن أقاموا فيها ثمانية قرون. لأن دخولهم كان في سنة 92 للهجرة على يد طارق بن زياد.
رفعت الستار عن هذا المنظر المحزن ليكون لكم ولأمم المشرق تذكرة وعبرة، خصوصاً في الأوقات الحاضرة. والآن أقول لكم أنه على الرغم من توالي الفتن واضطراب الأحوال كانت سوق الأدب رائجة وبضاعته نافقة. فكل أمير وكل وزير وكل كاتب وكل وجيه كان له من الأدب نصيب وافر.
عرفنا من تقسيم الأندلس بين ملوك الطوائف أن بني جهور استبدوا بقرطبة، وأن بني عباد استأثروا باشبيلية.
في المملكة الأولى درج ذو الوزارتين ابن زيدون وتربى وظهر فضله. وفي الثانية قضى بقية أيامه في العز والكرامة. وكانت بها وفاته في محرم سنة 463 على التحقيق الدقيق كما نص عليه معاصره ابن بسام ولا عبرة بالأقوال الأخرى عن وفاته، لأن الذين قالوا بوفاته في سنة 405 خلطوا بينه وبين أبيه غالب بن زيدون. وقد قدمنا الكلام عليه وعلى مولده ووفاته.
اشتغل ابن زيدون بالأدب، وفحص عن نكته، ونقب عن دقائقه، إلى أن برع وبلغ من صناعتي النثر والنظم المبلغ الطائل. حتى قال فيه ابن بسام:
كان أبو الوليد غاية منثور ومنظوم، وخاتمة شعراء مخزوم، أحد من جر الأيام جراً، وفات الأنام طراً، وصرّف السلطان نفعاً وضراً، ووسع البيان نظماً ونثراً. إلى أدب ليس للبحر تدفقه، ولا للبدر تألقه. وشعر ليس للسحر بيانه، ولا للنجوم الزهر اقترانه. وحظ من النثر غريب المباني، شعري الألفاظ والمعاني.
وما عتم أن أصبح في الأندلس متيم ذلك الحي، وعاشق ولاّدة لامى. زاد عل مجنون ليلى، وقيس لبنى، وابن أبي ربيعة صاحب الثريا. تركه هواه أنحف من قلم، وأشهر من نار على علم، وله مع ولادة أخبار ما حكى مثلها ابن أبي عتق، ولا الأصفهاني عن سكان وادي العقيق، ولا الأصمعي عن أهل ذلك الفريق. أندى من نسيم الصباح، وأرق من ريق