والتورع ما فيه. واقترح عليه العم كونتريني حرفة التدريس في الأسرات وما لبث أن أوجد له وظيفة معلم في أسرة بإحدى القرى. فاطمأن به العيش في هذا البيت عاماً كاملاً ولعله عرض له الملل أو شجر بينه وبين الأسرة خصام فخرج على جواد عتيق وفي جيبه ثلاثون جنيهاً وعمد نحو ثغر كورك يريد الرحلة إلى أميركا مرة أخرى. ومضت ستة أسابيع بعد ذلك لم يسمع في خلالها خبر جولد سميث وإن والدته لجالسة في دارها ذات يوم اذا بالفتي قد طلع عليها فجأة على حصان بادي العظام مهزول وهو صفر الكف نظيف الجيب فقص على أمه قصة عجباً وذلك أنه ذهب إلى كوك فاشترى تذكرة السفر وبعث بصندوقه إلى السفينة ثم غدا على أثر الصندوق وإذا بالسفينة قد رحلت فاضطر إلى بيع الجواد الكريم واشتراء ذلك الحصان المهزول والعودة إلى دار أمه بحال من الفقر أشرفت به الشحذ والتسول إلى أن قال والآن يا أماه يدهشني أن لا يكون في سلامة عودتي بعد استمرار الخطب ونطاول البلاء ما يقر عينك ويشرح صدرك ولا غرو أن تكون الأم قد فتر حبها لولدها مذ تلك اللحظة وودت لو يريحها الله منه بأية طريقة وكذلك كان تبرم أخيه به وملله. فلم يبق له إلا العم كونتريني فإنه أبى ألا حدبا عليه وتحنيا. فاقترح على الفتي أن يذهب إلى لندن لدرس القانون فقبل جولد سميث وأعطى خمسين جنيهاً نفقة الرحلة والمقام ريثما يأتيه مبلغ آخر ثم مضى في رحلته ولكنه لم يتجاوز مدينة دابلن. حيث وقع في خلطاء السوء فخسر كل ما لديه بين الشراب والميسر إلى غير ذلك وعاد إلى أهله يحمل على رأسه ثقل كل موبقة وفي عنقه طوق كل مخزية ومأثم. وسومح بعد ذلك كله تجوفي عن جميع ذنوبه ثم أرسل بشيء من المال إلى أدنبرج (قاعدة اسكوتلاندة) ليدرس الطب: وبهذه الرحلة استراح من جولد سميث أهله - استراحوا منه طول الدهر! وكان عمره إذ ذاك أربعاً وعشرين - وعاش بعدها عشرين أخرى. ولكنه لم يعد قط إلى بلاده ولا أبصر طول عمره وجه وطنه المرموق ولا وجوه أهله وخلانه إلا مرة واحدة إذ مر به وهو في غرفة حقيرة بلندن أخوه الأصغر شارل أثناء رحلته إلى جزيرة خاميكا (من جزر الهند الغربية) فأمضى معه يوماً وذلك بعد هذه المدة بخمس سنين: وما برح جولد سميث حتى لقى الله يحن إلى أوطانه حنين الإبل وقد أخلى لذكرى الشباب وعهد الصبا موضعاً في حشاه وزاوية في قلبه جعلها كالضريح المقدس دفن فيه شبح الماضي وصداه وكأني به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015