والغذاء الكثير الكربونية أغلى ثمناً وأصعب منالاً من الغذاء القليل الكربونية الكثير الأكسوجية. فإنك ترى فواكه الأرض - وهي التي أكبر عناصرها الأكسوجين_وفيرة جداً تنال بلا ملاقاة أخطار ويوشك أن تنال بلا تعب. ولكن الغذاء الكثير الكربونية الذي تتوقف عليه الحياة في البلاد الشديدة البرد لا ينال بتلك السهولة والراحة. فهو لا يخرج من الأرض عفواً كالفواكه. ولكنه يستخرج من جثث أبطش الحيوانات زيتاً ودهناً وشحماً وليس يحصل عليه إلا بملاقاة الأخطار ومكابدة الأهوال وكلال البدن كدا وتحلب الجبين عرقاً. ومن الواضح البين أن أبرد ما يكون البلد أكثر ما يكون الغذاء كربونية وأحر ما يكون البلد أكثر ما يكون الغذاء أكسوجية. وقد قلنا أيضاً أن الغذاء الكربوني لما كان مصدره من عالم الحيوان فهو لذلك أصعب منالاً من الغذاء الأكسويدي المأخوذ من عالم النبات لذلك ترى أن أهل البقاع الباردة الذين تضطرهم البرودة إلى انتزاع أطعنتهم من أيدي الحيوانات المفترسة الضارية. ومن بين أنياب الوحوش الفتاكة العاتية. وما زالوا أجرأ وأشجع من أكلة الأغذية الأكسيدية التي تحبوهم بها الطبيعة عفواً بلا تعب. ومن هذا الفرق الأصلي تنشأ نتائج أخرى لا موضع هنا لذكرها. ونما غرضي الآن أن أرى مالاختلاف الغذائين من الأثر في النسبة التي توزع الثروة على حسبها بين الطبقتين العليا والسفلى. المدبرين والعمال. .

ولعل فيما أسلفت من الكلام بيان لكيفية تغير هذه النسبة على أنه يحسن بنا لضمان الوضوح والفهم أن نذكر على وجه الإجمال ملخص هذا الكلام وهو. يتغير مقدار الأجور بتغير عدد السكان. فيزيد عند قلة العمال ويقل عند ازديادهم. ثم عدد السكان يختلف نقصاً وزيادة باختلاف مقدار الغذاء. يزيد بزيادته وينقص بنقصانه. ثم الغذاء اللازم للحياة أقل في البلاد الباردة منه في البلاد الحارة. وليس أمر الغذاء قاصراً هنالك على القلة بل يحتاج منه إلى مقادير عظيمة - أعظم بكثير مما يحتاج في البلاد الحارة. وهما سببان داعيان إلى قلة نماء السكان الذين منهم تتألف طبقة العمال. نتيجة ذلك بعبارة موجزة واضحة أن الأحوال في البلاد الحارة تدعو دائماً إلى انحطاط الأجور وفي البلاد الباردة إلى ارتفاعها.

ونحن إذا طبقنا هذه القاعدة العظمى على تاريخ الأمم لم نلق إلا شاهداً على صحتها. ولم نلق قط شاهداً واحداً على بطلانها. ففي آسيا وإفريقيا وأمريكا كان مركز المدنيات القديمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015