اللاذ.
وقد قلنا أن للغذاء غرضين توليد الحرارة الحيوانية في الجسد والإعاضة بدل المستهلك من مادته. فالأول يحدث بدخول أكسوجين الهواء في الرئتين واتحاده أثناء مروره في الجهاز الحيوي بالكربون الذي نتعاطاه في أطعمتنا. وهذا الاتحاد بين الكربون وبين الأكسوجين لا بد أن يحدث مقداراً عظيماً من الحرارة وبهذه الواسطة نضمن للجسد الحرارة التي لا يبقى بدونها. واتحاد الكربون والأكسوجين لا يكون إلا على نسبة محدودة وهو قانون كيماوي يسري على سائر الاتحادات بين العناصر. فبناءً على ذلك لا يستقيم أمر البدن إلا إذا كان مقدار ما يؤكل من الغذاء الكربوني مناسباً لما يستنشق من الأكسوجين. ثم واجب أيضاً أن يزداد مقدار ما يتعاطى من المادتين إذا خفضت حرارة الجسم زيادة في برودة الهواء. ولما كان الهواء في الأرض الشديدة البرد جم الكثافة لذلك كان التنفس يدخل في الجوف من الأكسوجين أكثر مما يدخله في البلاد الحارة وكذلك لما كان البرد الشديد يستعجل التنفس فيزيد حركة الاستنشاق سرعة أصبح ذلك سبباً آخر لازدياد مقدار المستنشق من الأكسوجين في البلاد الباردة عنه في الحارة. ولذلك كان من الضروري في البلاد الباردة أن يكثر الغذاء الكربوني حتى تحفظ بين الأكسوجين والكربون النسبة التي ليس إلا عليها يتحدان ليحدثا تلك الحرارة الضرورية للحياة.
من هذه المبادئ الكيماوية والفسيولوجية نستنتج أن أكثر ما يكون البلد برودة أكثر ما يكون غذاؤه كربونية. وهذه النتيجة العلمية هي عين ما أثبتته التجارب العملية - أعني أنها عين الواقع وهي حكمة آلهية. عليها مدار إصلاح الكون. فترى أن أهل البقاع القطبية يستهلكون مقداراً عظيماً من زيت الحوت ودهنه. وهو غذاء إن يعطه أهل البقاع الحارة هلكوا لا محالة لذلك جعل الله لأهل البقاع الحارة الفاكهة والأرز والبقول والخضر. ولقد ثبت على الفحص الكيماوي أن في الأغذية القطبية وفرة من الكربون وفي أغذية البلاد الحارة وفرة من الأكسوجين وحسبي من التفاصيل التي أخشى أن لا تسر القارئ قولي جملة أن في الزيوت (الأغذية الكربونية) من الكربون ستة أمثال ما في الفواكه (الأغذية الأكسوجية) فأما الأكسوجين فيها فقليل جداً. بينا ترى النشا - وهو في عالم النبات أغذى وأعم غذاء_نصفه أكسوجين.