من القيروان سنة ثلاث وتسعين للهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب الموالي وعرفاء البربر ووافي خليج الزقاق ما بين طنجة والجزيرة الخضراء فأجاز إلى الأندلس وتلقاه طارق فانقاد واتبع وأتم موسى الفتح وتغلغل في الأندلس إلى برشلونة في جهة الشرق وأربونة في الجوف وصنم قادس في الغرب ودوخ أقطارها وجمع غنائمها وكتب إلى الوليد فيما هاله من ذلك إنها ليست الفتوح ولكنها الحشر وأجمع أن يأتي المشرق من جهة القسطنطينية ويتجاوز إلى الشام دروب الأندلس ويخوض إليه ما بينهما من أمم الأعاجم النصرانية مجاهداً فيهم مستلحماً لهم إلى أن يلحق بدار الخلافة فأجفلت ملوك النصارى بين يديه واجتمع الإفرنج إلى قارله (شارل مارتل) ملك افرنسة وقد كان إذ ذاك من أعظم ملوكهم فقالوا له ما هذا الخزي الباقي في الأعقاب، كنا نسمع بالعرب ونخافهم من جهة مطلع الشمس حتى أتوا من مغربها واستولوا على الأندلس وعظيم ما فيها من العدة والعدد بجمعهم القليل وقلة عدتهم وكونهم لا دروع لهم، فقال لهم ما معناه الرأي عندي أن لا تعترضوهم في خرجتهم هذه فإنهم كالسيل يحمل من يصادره وهم في إقبال أمرهم ولهم نيات تغني عن كثرة العدد وقلوب تغني عن حصانة الدروع ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ من الغنائم أيديهم ويتخذوا المساكن ويتنافسوا في الرياسة ويستعين بعضهم على بعض فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر ونمي الخبر إلى الوليد فاشتد قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب ورأي أن ما هم به موسى غرر بالمسلمين فبعث إليه بالتوبيخ والانصراف وأسر إلى سفيره (واسمه مغيث) أن يرجع بالمسلمين إن لم يرجع وكتب له بذلك عهداً ففت ذلك في عزم موسى وقفل عن الأندلس بعد أن أنزل الرابطة والحامية بثغورها وأنزل ابنه عبد العزيز لغزوها وجهاد عدوها وأنزله بقرطبة فاتخذها دار إمارة واحتل موسى القيروان سنة خمس وتسعين وارتحل إلى المشرق سنة ست بعدها بما كان معه من الغنائم والذخائر والأموال على العجل والظهر يقال أن من جملتها ثلاثين ألف رأس من السبي وولى على إفريقية ابنه عبد الله وعلى المغرب الأقصى ابنه عبد الملك وقدم على سليمان بن عبد الملك الذي ولى الخلافة بعد أخيه الوليد.

(نكبة موسى بن نصير)

ولما قدم موسى بن نصير على سليمان بن عبد الملك وجده كالمرجل غضباً فأنزل به من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015