رجلا مشغولا مستعجلا أوسيدا أرسطوقراطيا من أهل اللهووالترف والبطالة وهذا أكثر الناس شغلا وأشدهم عجلا وأقلهم لذلك صبرا. فكان الجميع بلسان واحد يطلبون أن تكون الصورة جيدة سريعة الإنجاز فرأي شارتكوف أنه من المستحيل عليه إنجاز أعماله وأنه لا بد من الاعتياض عن الإجادة والإتقان والإبداع والإحسان بالخفة والعجلة وذلك بأخذ الملامح الإجمالية وقلة بذل العناية وإضاعة المجهودات في التفاصيل الجزئية والدقائق الفنية.

أضف إلى ذلك ما ضايقه وأعياه من كثرت مطالب الزبائن ومختلف شروطهم فأما السيدات فكنا يحتمن عليه أن يتجلى الذكاء والفضيلة في صورهن. وأن تمحى كل الحروف والزوايا فتجعل مواضعها مستديرة، وأن تسوى الغضون وتملس الخشونات بل تزال البتة، وخلاصة القول أن تجعل وجوههن من فرط الجمال والحسن بحيث يبهت لها كل راء عجبا. ويستهام بها كل ناظر حبا. وكن إذا جلسن أمامه للتصوير تكلفن من النظرات وتصنعن من الهيئات وكسون وجوههن من غرائب المعاني وأعاجيب الآيات ما ملأه دهشة وعجبا. فواحدة تتكلف إظهار الحزن والكآبة وأخرى تتصنع إبداء الإطراق والتفكير وثالثة تحاول تصغير فمها مهما كلفها ذلك فهي تبالغ في ضمه وجمعه حتى يبدوأخيرا في حجم رأس الدبوس. وهن بالرغم من ذلك يكلفنه الاحتفاظ بالشبه والتزام سنن الطبيعية. ولم يكن الرجال أحسن خطة من النساء ولا أفضل سيرة. إذ كان أحدهم يطلب أن يعار وجهه جلال القياصرة. وشمم الجبابرة. وآخر يريد أن تعار عينيه نظرة الفلاسفة أولحظة الأساقفة. واقترح عليه مرة ضابط من فرقة الحرس الملوكي أن يجعل عينيه في الصورة أريكة لإله الحرب (المريخ) أوعرينة لأسد الوغى (أخيل) وجاء مرة قاض بالمحاكم فسأله أن يرقم آية العدل على جبينه وأن يضع يده في الصورة فوق كتاب مكتوب على غلافه بالقلم العريض (العدل أساس الملك).

هذه الطلبات العاجلة والاشتراطات الصعبة كانت في أول الأمر تربك المصور وتلقيه في أضيق ورطة وحيرة ولكنه بعد شيء من الدربة والمران عرف كيف يعالجها ويحتال لها حتى صار لا يحفل بها ولا يعبأ. فإذا التقى برجل من عشاق الشهرة الحربية لم يكن أسهل عليه من أن يشعل في عينيه بركانا. ويصبغ شفتيه دما أرجوانا. وإذا عبر بامرئ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015