الصحف وسمعت بك في المحافل لم أك أحسب أنك قد بلغت في الفن هذه الغاية ولن أدعك والله حتى تصورني أيضا).
والظاهر أن الشيخة العجوز مالت إلى أن ترسم أيضاً في هيئة (سايكي) أوشبه ذلك).
فقال المصور في نفسه (ماذا أصنع معهما؟ إذا كانتا تأبيان إلا تأويل الصورة على هذا المعنى وقد أصرتا على ذلك إصرارا فلأجعلن الأمر كما تساءان) ثم قال بصوت مسموع (تفضلي بالجلوس يا سيدتي الصغيرة كيما أصلح من الرسم ههنا وههنا).
قالت السيدة (ويحي! إني أخشى أن تصنع الآن كما صنعت من قبل. حذار من تحسيناتك وتهذيباتك!).
ولكن المصور أدرك أن السيدة تشير إلى مسألة الصفرة فطمأن قلبها من هذه الناحية وأكد لها أن كل ما يريده هومضاعفة ما في العينين من بريق ولألاء ومن فتنة وحلاوة، والحقيقة أن الفتى كان خجلاً مما قد أضطر إليه من الاعتراف بأن صورة (سايكي) هي صورة الفتاة فأراد أن يقرب الشبه بينها وبين الفتة قدر الإمكان لئلا يتهمه أحد بالتملق المجرد من الخجل المملوء بالوقاحة وقلة الحياء.
فأعمل ريشته في اللوحة وبعد برهة بدأت ملامح الفتاة المصغرة تزداد وضوحاً في الصورة.
وصاحت الأم وقد دب الرعب إلى فؤادها وخشيت أن يشتد الشبه جداً (حسبك وكفى!) فأمسك المصور مضطراً. وأخذت الأم الصورة. وأجزلت له الجزاء فأوسعته جنيهات وابتسامات وضحكات ومصافحات وتقريضات وتملقات وهلم جرا.
أحدثت الصورة ضجة في المدينة. وجعلت السيدة تعرضها على معارفها وجاراتها وزوارها فكان الجميع يفتنون بها ويعجبون بقدرة المصور الذي مع احتفاظه بالشبه ضاعف جمال الأصل. وهذه الملاحظة الأخيرة كانت مدفوعة بباعث من الحسد.
وتكاثرت عقب ذلك الأشغال على شارتكوف وتراكمت وازدحمت. وكأن أهل المدينة كلهم قد أحبوا أن يرسمهم هذا المصور النابغة فكان لا يغبه الزائرون ولا يبرحون يقرعون بابه. وبما عد هذا نافعا من بعض الوجوه إذ كان يمنحه فرصة الإطلاع على عدد جم من وجوه شتى. ولكنهم كانوا جميعا - ويا للأسف - أناسا صعاب المراس إذ لم يعدوأن كانوا إما