وبغض.

إن الدهر ليسوي في معاملاته بين شتى أصناف البشر - بين الصالح والطالح والبر والفاجر. والوفي والغادر. والكريم واللئيم والبريء والأثيم.

إن من أسوأ البلايا. وشر الرزايا. أن نرى الدهر يصيب الناس طرا بسيئته ومحنته عل حد سواء. هذا وأن السيئة والآفة والشر عريقة في الإنسان متأصلة في نفسه. فالناس قلوبهم مفعمة بالجنون ما عاشوا وهم إذا ماتوا لحقوا بسكان القبور.

فلما تلوت في التوراة هذه الآيات استولى علي العجب والدهشة ولبثت حائراً مبهوتاً. ولم أك أحسب أن التوراة يكون فيه مثل هذا المعنى فصحت قائلاً مخاطباً الكتاب المقدس: وأنت أيضاً قد خامرتك الريب يا كتاب الأمل ويا سفر الرجاء!.

ماذا يظن الفلكيون حينما يحسبون مدار الكوكب ومجرى الرجوم ومواقيتها؟ ماذا يظن الطبيعيون حينما يرونك بالمجهر آلاف الحيوانات الدقيقة في قطرة من الماء؟ أيظن هؤلاء أنهم قد اخترعوا ما قد يرون وأن إسطرلابهم ومجهرهم هما اللذان يسنان قوانين الطبيعة ويضعان نواميس الوجود؟ وماذا كان ظن أول المشرعين حينما جعل يبحث عن الحجر الأساسي في البناء الاجتماعي فعارضه معارض فهاج غضبه فضرب الموائد النحاسية بكفه فأحس عند ذلك بقوة قانون الجزاء والمكافأة في أجزاء كيانه وأحس بصوت هذا القانون يصيح في أعماق نفسه؟ أفظن ذلك المشرع أنه هو الذي ابتدع العدل وأحدثه؟ وهل ذلك الذي كان أول سارق لثمرة غرس جاره ظن أنه هو أول من اخترع الإثم وابتدع العار؟ وهل كان صاحب ذلك الغرس حينما غفر لهذا السارق وبدلاً من ضربه إياه ترفق به وتعطف عليه وقال له: لا بأس عليك ولا حرج هنيئاً لك ما أخذت بارك الله لك فيه هلم إلي أزدك وأضاعف لك العطية وكذلك جزاه على الإساءة إحسانا. وأولاه على الإيذاء والإضرار براً وحناناً - هل ظن إذ ذاك أنه هو اخترع الحلم والعفو والمروءة. وإنه ابتدع المكرمة والفضيلة؟ رحماك اللهم يا إله الأرض والسماء! هاك امرأة تلهج بذكر الحب والصبابة ثم تغرو تندر وتنكث العهد وتنقض الميثاق، وهاك رجلاً يلهج بذكر الصداقة والإخاء ثم ينصح لي أن أبتغي أسباب العزاء والسلوان في الفسق والدعارة والسكر والعربدة وهناك امرأة تبكي لي رثاء ورحمة ثم تحاول أن تعزيني عن مصائبي بفتنة ساقها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015