لفظ فيك لسان صادق. وكل حرف من حروفك مقول بالحق ناطق. وأنت وحدك تعرفين أسرار الحياة وسرائر الإنسان. وأنت وحدك تجرؤين أن تصرحي بأنه لا حقيقة في الوجود إلا الدعارة والمنكر والنفاق والبهتان. فكوني أصدقائي وشيعتي ورفاقي وانفثي سمومك الكاوية على ما بقلبي من الجراح، وعلميني أن أتلقى عنك الصدق المبين والحق الصراح.
ثم التفت إلى مكتبتي وما قد احتوته من دواوين الشعر والمباحث الفلسفية فخاطبتها قائلاً: وأنت يا عصبة المجانين والمتهوسين والمتعلقين بأذيال الخزعبلات والترهات والخرافة، السادرين في الغواية. والغرور والعماية. الغرقى في الأحلام. والأوهام. والأباطيل. والأضاليل - أيتها الفئة المفتونة التي لا تجني من أوراقها سوى الغصص والكروب. والمحن والخطوب. والرزايا والبلايا. لئن كنت تعرفين الحقيقة ولكنك تغريننا وتخدعيننا فلأنت الأفاكة والمزورة والغشاشة والدجالة. ولئن كنت تعتقدين بصحة ما تنطقين به من الهذر والهذيان فلأنت السخيفة الحمقاء. والغريرة البلهاء. ففي كلتا الحالتين لا تخلين من الكذب والبهتان، تعبثين بألباب الرجال وبأحلامهم تلعبين وتتخذين من الشيب والشباب أطفالاً بهم تهزئين ومن سذاجتهم تضحكين، تجمعينهم حولك كما تجمع العجوز أطفال البيت حولها في ليلة الشتاء فتدهشهم بعجيب الأقاصيص وتروعهم براويات العفاريت والجان. ثم تسرهم بحيث عصا موسى وخاتم سليمان. تالله لأحرقنك جميعاً!
وفي أثناء هذه المناجاة أسعفتني الشؤون بديمة من الدمع مدرار وأدركت أن حزني العميق هو كل ما أدركت من حقائق هذا الوجود فصحت في هذيان هذه النوبة الأليمة مخاطباً الكتب خبريني أيتها الملائكة أو الشياطين. خبريني أيتها الكهنة العرافة والزجرة العيافة. المشيرة بالخير أو بالشر، المتفائلة بالسعد أو المتشائمة بالنحس - خبريني كيف أسير وماذ أصنع وأي منهج أسلك؟ كوني حكماً بيني وبينها قاضياً!.
ثم إني تناولت من بين تلكم الأسفار كتاب التوراة وفتحته عفواً وأنا أقول: أجيبيني يا كلمة الله أبدي لي طرفاً من رأيك. ثم نظرت في الكتاب حيث فتحته فإذا فيه:
لقد تأملت في أعماق نفسي فعرفت هذه الحقيقة وهي أن الله وحده عليم بذات الصدور ليس غيره يعلم شأن الصالح التقي والأريب اللبيب وما يصنعان وما كسبت أيديهما. وليس امرؤ ما يستطيع أن يستدل بكل ما لديه من شواهد الأحوال على ما تكنه صدور الغير من حب