والخلان الأوفياء. قد بدا لي الآن كأنه مخلوق عجيب لم أره قط ولم تقع عليه عيني إلا في تلك اللحظة.
ثم وصلنا إلى مكان البارزة وبعد إجراء التمهيدات الأولية وقف كل منها موقفه وأخذ يدنو من الثاني على مهل وكان وهو أول مطلق فأصابني في ذراعي اليمين فحولت المسدس إلى يساري ولكن خارت قواي فوقعت إلى ركبتي.
وهنا رأيت خصمي يهرع نحوي أصفر الوجه مضطرباً. وهرع إليّ شاهدي أيضاً إذ رأياني جريحاً. فأومأ إليهما بالتنحي وقبض على يدي المجروحة واصطكت أسنانه وأعياه النطق ورأيت عليه آية الكرب الحازب، والبرح الأليم. وكأنه كان إذ كان يقاسي من الكمد والبلاء أشد ما قاساه إنسان.
فقلت له إليك عني! اذهب فاغسل يديك الملطختين بدمي في فراش -! عند ذلك خنقته العبرة - وخنقتني
ثم حملت إلى مركبة وأتيت بطبيب ولم يكن الجرح بليغاً ولا خطراً. إذ كانت الرصاصة لم تبلغ العظم. ولكني كنت من الهياج العصبي بحالة منعت من تضميد الجراحة! فلما همت المركبة بالمسير بصرت على بابها بيد مرتعشة - يد خصمي قد مدها للمصافحة فكان جوابه مني هزة الرأس إباء ورفضاً.
ولقد كان بي من حدة الغيظ ووقدة الحنق ما أغلق باب العفو والغفران وإن كانت شواهد حالته دلتني إذ ذاك إن ندمه كان صادقاً وكانت توبته نصوحاً.
ولما بلغت منزلي كان جريان الدم من جرحي قد نفعني كثيراً بإضعاف قوتي لأن هذا الضعف الحادث كسر شوكة غضبي وأنقذني من سورة ذلك الحنق والهياج الذي كان أشد بلاء على من جرحي. فذهبت مسروراً إلى فراشي. وقدمت إلى كوبة ماء، فما أظن أني ترشفت في حياتي شراباً كان أبرد على كبدي وأندى وأطيب في فمي واحلي من تلك الكوبة.
ولما استلقيت على الفراش أخذتني الحمى. فأخذت اسكب العبرات. وجعلت أقول لنفسي لو أن حبيبتي كان أمرها مقصوراً على الصد والهجر بل على الجفاء ولا أتصور. وإني والله لا أستطيع أن أتخيل كيف أن امرأة تخدع الرجل وتكذب عليه بيننا هي تحب غيره وماذا