يدعوها إلى ذلك وليس يضطرها إليه دافع من واجب أو مصلحة. ثم جعلت أسأل صاحبي ديزينيه عشرين مرة في اليوم كيف يتفق ذلك وكيف يحدث؟ أما لو كنت زوجاً لها أو مستأجراً لفهمت علة خيانتها لي. فما بالها إذ زال حبها لي لا تصارحني بذلك ولا تكاشفني فما بالها تكذبني وتخدعني؟
والواقع أنني لم أكن أتصور أن أمر الحب مما يجوز فيه الكذب. ولا جرم فإنما كنت يومذاك طفلاً، وأعجب من ذلك أي لا أزال ف هذا الباب طفلاً ولا أزال لا أستطيع أن أتصور أن أمر الحب مما يجوز فيه الخداع والكذب. فكلما أحببت امرأة خبرتها أني أحبها وكلما زال حبي خبرتها بزواله. إذ كنت اعلم أن أمر الحب هو اضطراري قهري يسير فيه الإنسان ولا يخير ولا يكون له فيه رأى ولا حيلة - فهو في كل أطواره آلة بريئة - فإن كانت فيه جريمة فتلك هي الكذب والخديعة.
فكان لا يزال جواب ديزينيه على كل أسئلتي هو أنها لمجرمة شقية فعدني أن لا تراها البتة
فأقسمت له على ذلك. ثم نصح إليّ أيضاً أن لا أكتب إليها ولا على سبيل التوبيخ والتأنيب وأن لا أرد عليها إذا بدأتني بالكتابة فوعدته الطاعة في كل ذلك وجعلت أغضب كلما أبدى لي شكة في صحة نيتي على هذا.
ولكن أول ما عملته بالرغم من كل ذلك أني ذهبت عقب خروجه من عندي إلى دار حبيبتي لألقاها فألفيتها منفردة قد جلست على كرسي بزاوية حجرتها مطرقة الرأس عليها شواهد الاضطراب والحيرة. فأنحيت عليها بأشنع التعنيف والتوبيخ وكنت من اليأس في سكرة وغمرة. وجعلت أصيح بأرفع صوت وكانت العبرة ربما اعترضتني حتى تحول بيني وبين الإبانة فكنت راكب على السرير لأطلق العنان لدموعي وأطرح منها عبأ عن مهجتي ثقيلاً.
وكان مما قلت لها الويل لك أيتها الخائنة الغادرة الفاجرة! إنك لتعلمين إن في ماجئته هلاكي وحتفي وهذا لعمري بغيتك ومناك، ومرادك ومشتهاك خبريني ماذا كلن مني يستوجب ذلك وماذا صنعت وما ذنبي
فطوقتني بذراعيها وقالت أنه فخ نصب لها وشرك أتيح لها الوقوع فيه. وأنه القضاء المحتوم والقدر المحموم ابتلاها بالماكر المحتال الخلاب المنطق الذلق اللسان ما زال بها