وإذا شاء أي إنسان أن ينال رضا الآلهة في السر والكتمان بواسطة الصلاة أو القربان فله أن يفعل ذلك على حسابه وتحت مسؤوليته. فإذا لم يفعل فليس لأحد ما أن يتناوله بالقدح والمذمة - وابعد الناس من أن يصنع به ذلك الحكومة. وقد كان كل روماني يحرز في داره الآلهة التي يعبدها، وما هي في الحقيقة إلا صور أسلافه الأول. ولم يكن للأقدمين آراء محدودة ثابتة مقررة معتقدة عن مسألة خلود الروح والحياة الأخرى.

ولكن كل فرد كان يذهب في هذا الصدد مذهبه الخاص مكوناً من أفكار متقلبة متجددة مبهمة مشوشة تخمينية، وعلى نحو هذه الحال من التعدد والتنوع والغموض كانت أفكارهم عن الآلهة.

ونتيجة هذا أن القدماء لم يكن لهم دين بالمعنى المعروف لدينا. فهل كان لذلك تأثير سيء على حالة النظام والأمن العام في تلك الدول القديمة؟ أليست هي منشئة القوانين والنواميس التي لا تبرح حتى الآن أساس قوانينا وقواعد شرائعنا؟ الم يكن أهل هذه العصور آمنين على أملاكهم مستوثقين منها مع أن معظمها كان من العبيد الأرقاء؟ ألم تدم هذه الحالة أكثر من ألف عام؟.

إزاء هذه الحقائق أرفض وأحتج على ما تعزوه إلى الأديان الحاضرة من المقاصد العملية، وما تقرره من ضرورة وجودها كأساس لازم تقوم عليه كافة النظامات التشريعية. . لأننا إذا قررنا صحة ذلك أصبح لا حق لطلاب الحق الصراح وأنصاره المولعين بالتماسه والتنقيب عن مواطنه - في اتهام العقيدة الدينية باغتصاب أريكة الحق وإبقائه في حوزتها بالتمادي في الغش والخديعة.

الفقيه: ولكن الدين ليس مناقضاً للحقيقة لأنه هو ذاته يعلم الحقيقة. وكل ما هنالك هو أن الدين لا يبرز الحقيقة مجردة عارية. لأن منطقة نفوذ الحقيقة ودائرة تصرفاتها ليست ضيقة محدودة ولكنها الإنسانية بأسرها والعالم أجمع. ولذا وجب أن تكون الحقيقة مطابقة وملائمة لهذا المجموع العظيم المختلط، فلا يصح للدين والحالة هذه أن يجرع الناس الحقيقة محضة صريحة بل يجب تسهيلاً لتجرعها أن يقدمها لهم في برشامة من الخرافة. ويمكن أيضاً تشبيه الحقيقة من هذا الاعتبار ببعض المواد الكيماوية التي هي في ذاتها غازية ولكن تسهيلاً لاستعمالها وتيسيراً لحفظها في الأوعية أو نقلها من موضع إلى آخر تعقد بمادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015