أخرى (أو بالتعبير الكيماوي) توصل بقاعدة ثابتة ملموسة منعاً لها من التطاير. مثال ذلك مادة الكلور إذا أريد استخدامها في الأغراض الآنفة الذكر أبرزت في صورة كلورور.

ولما كانت الحقيقة النقية المجردة الخالصة من كل رمز أو خرافة ستبقى أبد الدهر فوق متناول العالم أجمع وضمنه الفلاسفة فيصح تشبيهها بمادة الفلور التي لا يمكن البتة عرضها منفردة بل لا بد من ضمها إلى مواد أخرى. وهاك تشبيهاً آخر وهو أن الحقيقة لا يمكن إبرازها والتعبير عنها إلا بطريق الرمز والخرافة، فهي في ذلك كالماء لا يمكن حمله ونقله إلا بواسطة وعاء. فالفلاسفة الذين يأبون إلا إحرازها خالصة مجردة هم كحاطم الإناء للحصول على الماء منفرد بذاته.

وعل كل حال فالدين هو الحقيقة مبرزة في قالب من الرموز وصيغة من الخرافة حتى يتسنى للناس بهذه الواسطة فهمها وهضمها. لأن الناس لا يستطيعون بحال ما هضمها خالصة غير ممزوجة كما أننا لا نستطيع أن نحيي في الأوكسجين الخالص بل نحتاج إلى إضافة الأوكسجين إلى أربعة أمثاله من الآزوت.

أجل إن مغزى الحياة البعيد ومعناها العميق وغرضها السامي لا يمكن كشفه وإبرازه للعامة إلا بواسطة الرموز لأنهم لا يستطيعون فهم الحياة بمعناها الحقيقي. أما الفلسفة فهي كالأسرار تخص بها الفئة القليلة المختارة.

الفيلسوف: لقد فهمت فحوى كلامك فغاية تفسيرك لهذا المشكل هو أن الحقيقة تبدو في زي الباطل وتلبس ثياب الكذب. ولكنها بصنعها هذا تدخل في محالفة مشؤومة. فأي سلاح خطر فتاك يلقى في أيدي من يخولون استخدام الكذب والباطل كمطية للحقيقة. فإذا كان الأمر كذلك فإني أخشى أن تربو مضار الكذب والباطل على منافع الكذب.

ولو أن الرموز والقصص الخرافية كان يقر ويعترف بأنها كذلك لما قمت معارضاً ومحتجاً ولكن الإقرار والاعتراف بأنها رموز وخرافات يسلبها كل وزن وقيمة ويسقط منزلتها في الأعين فيضيع تأثيرها ونفوذها ولذلك كان حتماً على هذه الرموز والخرافات أن تدعى - وتؤيد دعواها - أنها حق في ذاتها وكنهها لا من الوجهة الرمزية فقط وهنا موضع الداء العضال والشر الدائم. ومن هنا لا يزال الدين ولن يزال في نزاع مستمر وحرب عوان مع المجهود الشريف والسعي الحر إلى التماس الحق الصراح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015