فحص أي موضوع إلى أقصى أعماقه. فكل شيء لا يرون علته ضمن سلسلة العلل الواضحة والأسباب الظاهرة ينسبونه بلا أدنى تردد إلى أحد هؤلاء (إلى الله أو الشيطان أو الجان أو الملائكة) فإذا ظهر في الناس من قد أوتي مرونة الذهن - أعني الخلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من صدع القيود التواطئية وتحرير ذهنه من أغلالها - الفى هو وكتاباته في النار - كما وقع للعالمين برونو وفانيني.

أما الذهن العادي فإن مبلغ عجزه وشلله بتأثير التعاليم الدينية في الصغر يبدو لك في أجلة مظاهره وأسخفها وأجدرها بالهزء والسخرية عندما يحاول نقد ديانة أجنبية فكل ما يصنعه الرجل العادي هو محاولته إثبات أن تعليم الدين الأجنبي مخالفة لتعاليم دينه فهو يجهد نفسه ليثبت أن الخلاف بين هذه التعاليم وتلك ليس منحصراً في اللفظ فقط بل يتعدى ذلك إلى المعاني والمقاصد ثم تره لفرط سذاجته وبلهه يتوهم أنه قد أثبت بذلك بطلان الديانة الأخرى. وكأنما لم يخطر بباله البتة أن يسائل نفسه أي الدينين أصح؟.

ولا عجب فإنه يرى في تعاليم دينه قضايا مسلمة ومبادئ مفروضاً فيها الصحة قبل الشروع في البحث والمقارنة. ومن أعجب الأمثلة على هذه الطريقة المضحكة ما أورده القسيس الفقيه المستر موريسون في العدد الثاني والعشرين من المجلة الآسيوية في مقاله المشتمل على نقد ديانة الصينيين وفلسفتهم.

الفقيه: أذلك رأيك أيها الفيلسوف؟ ألا فاعلم أن هنالك رأياً أعلى - ذلك هو أنه لا بد قبل كل شيء من وضع نظام يكبح جماح الجماعات ويصد نزعاتهم السيئة وأميالهم الشريرة حتى لا يأتوا الرذائل والمنكرات والخبائث ولا يرتكبوا الجرائم والفظائع. ونحن إذا تركناهم بدون هذه القيود والموانع حتى يعرفوا الحقيقة ويفهموها كان في ذلك تأخير للمنفعة لا تحمد عقباه. وهب أنهم عثروا على الحقيقة فسيجدونها ولا شك فوق مداركهم ودون منال أفهامهم. وعلى كل حال فإن هؤلاء الجماعات لا يصلح لهم ولا ينفعهم إلا ما كان من قبيل الرموز والاستعارات والخرافات. ولقد قال كانت يجب أن يكون هنالك قاعدة عامة للحق والباطل توطد أركانها وتؤيد دعائمها ويرفع لوائها في كل آن. فمتى كانت النقوش الرمزية الموقومة على هذا اللواء تعبر عما وضعت له من ناموس الحق والباطل فليس من المهم اختلاف أشكالها وتعدد صورها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015