الإطلاق واستعارتهم ديناً جديداً وعقيدة مستحدثة ما هو إلا قناع يسترون به مصلحة شخصية. وإيقان الناس ذلك دون أدنى شك هو الذي يسقط الرجل المتحول عن دينه إلى دين آخر في عهد رجولته من عيون الناس في كل آن ومكان - وهذا يدل على أن الناس لا يرون الدين نظرية تقبل أو ترفض بالبراهين المبنية على أصول المنطق والمعقول ولكن عقيدة تغرس في الطفولة قبل عرضها على أي مسبار أو ميزان منطقي.

والدليل على أن رأي الناس هذا في الدين صحيح أن التشبث الأعمى بدين الآباء والأسلاف ليس مقصوراً على الجماعات والجماهير الضعاف العقول بل يشمل كذلك طائفة القساوسة من كل ملة ونحلة الذين قد درسوا أصول الأديان وعقائدها وبراهينها وقواعدها وفروقها واختلافاتها. ومن ثم كان من أندر الأمور وأبعدها انتقال أي قسيس من ديانة آبائه إلى أي دين آخر. إلا أن من أفظع الفظائع أنه حيثما يولد امرؤ تغرس فيه تعاليم بعينها في زمن طفولته وحداثته ثم يحمل على الاعتقاد بأنه إذا أبدى أو أضمر أدنى شك في صحة هذه التعاليم كان عقابه الحرمان الأبدي ن نعيم الآخرة. بيد أن هذه التعاليم الدينية لها تأثير شديد على أصول سائر العلوم والمعارف - فإذا كانت صحيحة جعلت قاعدة نظرنا وأسلوب بحثنا في ماهية كافة الأشياء صحية - والعكس بالعكس.

وأيضاً لما كانت التأثيرات المنبعثة عن هذه التعاليم لا تزال تشن الغارات على مجموع نظام العلوم والمعارف فقد أصبح مجموع المعارف البشرية متأثراً بها أشد التأثر في جميع أنحائه وأجزائه وهذا ثابت من مؤلفات كل أمة وجيل ولاسيما مؤلفات القرون الوسطى وأيضاً مؤلفات القرن الخامس عشر والسادس عشر. فمن اطلع على هذه المؤلفات لم يعدم دليلاً قاطعاً على أن أذهان الجلة الفحول من مفكري هذه العصور كانت مشلولة بتأثير تلك الآراء والتعاليم الأساسية فكانت ماهية مادة الكون ونظام حركته ممنوعة محصنة من جميع جهاتها من نظرات البحث العميق والفحص الدقيق. ولا نزاع في أن الاعتقاد بوجود الله مازال طول مدة العصور المسيحية جاثماً كأثقل كابوس على كافة المجهودات العقلية وعلى الأخص المجهود الفلسفي بما قد صد ووقف كل عوامل الرقي والتقدم.

ففي اعتقاد النوابغ من علماء هذه العصور كان الإله والشيطان والملائكة والجان يحجبون الكون والطبيعة بأسرها. فلم يجترأ على الاستمرار في أي مبحث على نهايته ولا على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015