وقال: عمي مساءً وقالت: عم مساءً ولكنهما مع ذلك ظلا واقفين لا يفترقان.

ولم يشعر بغتة إلا وقد وجد أن ما كان بالأمس يسأله كمنحة وهدية وعطاء قد انتهبه الآن اقتساراً وعنفاً واغتصاباً.

وقالت شيلا وهي تتململ وتلوي رأسها وتتخلص من يديه (كلا، كلا) وسقطت القبلة فوق كتفها وشعرها الجميل، ولم تمس الخد الأسيل.

وإذ ذاك - على ضوء القمر، وهو الذي يحعل الناس أشرارً، كما يجعلهم أخياراً، وقفا ينظر كل إلى صاحبه.

وقال جفري في صوت لم يكن به أثر من صوته العادي، بل في صوت مضطرب جديد، لا نستطيع أن نفترق الآن على هذه الحال.

فهزت شيلا رأسها، ولعلها كانت إطراقة نفي، أو هزة إيجاب، لأنها تحتملها معاً، وهمس الضمير في أذن جفري أن ينثني إلى داره وينهي هذا الموطن بكتابة خطاب مستطيل يشرح قضيته.

فمضى في سبيله ووقفت هي ترقبه ويدها فوق قلبها الخافق.

وكتب جفري رسالته، وللحب منطق على هواه الخاص به لا يمشي مع المنطق الآخر ولئن كانت ذنوب غيرنا تحوزننا أشد الحزن وتفت أكبادنا، فإن ذنوبنا لا تزال تجد من الظروف التي تحوطها مبرراً لها وشفيعاً، فإذا كان جفري قد سألها في رسالته أن تفر معه وتأوي في رفقته إلى فندق في أبعد بلاد الله، فقد كان يحس إذ ذاك أنه لم يرد بذلك أمراً حقاً عدلاً لا جور فيه ولا عسف فقط، بل فعلاً شريفاً نبيلاً سامياً محموداً، وإذا كانت السخرية من شرائع الناس والتغلب على الرسوم المقررة في العالم تتطلب التضحية فقد أعد نفسه لها، وتهيأ لبذلها، لعل في تضحيته جميع أمره رداً للسعادة التي فقدتها، وأقنعها في آخر الأمر في رسالته بأن الله ولا ريب سيبارك ارتباطهما ويشد عراه وأردف الرسالة بالحشية الآتية: وسأطلب إجازة من عملي وأنتظر قدومك إلى فندق. . . وستكون السيارة واقفة ببابك بعد حسوة الشاي في المساء ذ يحسن أن لا نلتقي قبل الرحيل أو نصطحب في السفر. ليباركك الله. نحن نؤدي أمراً حقاً.

وتلقت شيلا الكتاب وهي في شربة الشاي في الصباح فقرأته بعين محملقة وأنفاس مترددة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015