ثم تكفكف عبراتها المهراقة هوناً، وتحملق البصر في صورة ليزلي وهي بين يديها وتحاول أن تعيد ذكراه في فؤادها، وتجدد الأثر الذي كان له في جوانحها، ولكنها واآسفاه لم تفلح في ما قصدت إليه فإنه بدا لعينيها أثراً تافهاً ضئيلاً في تلك الصورة لا يوحي شيئاً من عهود تلك الأيام التي قضتها في أحضانه.

ومضت شيلا إلى منامتها في حيرة شديدة وأسى بليغ وأمضها النوم ونبا بها المضجع، ولبثت ليلتها على أشد المضض والألم، ونهضت في الصباح مدعوكة مصدعة الرأس مريضة.

وعادها جفري ضحى، فلما نبأته الخادمة نبأ سيدتها، فزع وارتعب وهرع إلى الصيدلية فابتاع عدة من الأشافي الصالحة للصداع، ومر ببائعة الزهر فاقتنى من باقتها أجمل الباقات، وعاج على الفاكهي فاشترى أنضر ما حلا من فاكهته وعذب من ثماره، وجاء من جميع ذلك بما يكفي مائدة حفل عظيم من المدعوين، فدفع به إلى الخادم، لتضعه على عين سيدتها ومستشرف ناظريها، وجعل يعاود الدار مستفسراً عن صحتها ثلاث مرات في وقت وجيز.

على أن شيلا لم تلبث أن شفيت بسرعة عجيبة، وما كاد يقبل المساء حتى رأتهما الرابية يمشيان في دروبها، ويبتنزهان في مجاريها ومنافسها، وبعد أن حمد جفري على مسمعها القوة التي لها الفضل في شفائها، وهي قوة الرحمن في السموات، أفاض يؤنب نفسه ويتلوم ويعتب فؤاده، ويرسل التعنيف أثر التعنيف، ويطلب المغفرة، ويسأل الصفح، وإذا نحن أردنا أن نختصر حديث ساعتين كاملتين فنخرج منه عناصره فقد ولبه وصميمه، فما كنا واجدين إلا عبارات قصيرة لا تزيد عن هذه: إنني لوحش ضارٍ. . يا لحماقتي، لقد كنت قاسياً لعيناً. .

وجواب الفتاة على ذلك: كان ينبغي أن لا تسألني ذاك الذي سألت. إني أعرف أنك لم تستطع أن تتمالك نفسك ولكن لم يكن ينبغي. . ثم العبارة الآتية منه. . . لقد كان ينبغي أن أضرب بالرصاص وأستهدف لقذائف البنادق تكفيراً لهذا الذنب العظيم.

ولكنهما مع ذلك لم يكادا يصلا إلى باب الحديقة حيث التوديع. حتى لبث جفري في مكانه لا يتحرك. . ووقفت هي لا تمد له يدها كعادتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015