وساق الدموع والعبرات، وجلب النعمة والهموم، فحذفناه من الحياة حذفاً، ومحوناه محواً، وطمسنا على آثاره وآثار ما فعل.

ولم يعد الآن في العالم زيجات، ولذلك لم تعد الآلام تزور الناس، ولم يبق في الدنيا دموع ولا قبلات.

قلت: يخال إلي أنها نعمة الطريقة، ويا حبذا المذهب، ولكني أسألك ولي معذرة في هذا السؤال، إذ لا باعث عليه إلا الغرض العلمي، وكيف تحتفظون بالنسل؟

قال: ما أبسط الوسيلة، وما أسهل السبيل، وكيف كنتم في زمنكم تحفظون نسل الخيل والبقر، أم يكن ذلك بالتعشير والتنطيط كذلك نحن، فإذا أقبل الربيع، وضعت الحكومة تقديراً لميزانية الأطفال الذين يلزمون لها، وأخذت العدة لذلك، وأجرت الترتيب، فإذا ولدوا أخذوا من أحضان أمهاتهم (حتى لا يعتدن على حبهم) وربوا ونشأوا في المستشفيات العمومية وفي مدارس الأمة حتى يبلغوا الربيع الرابع عشر، وإذ ذاك يفحصهم رجال يعينون لهذا الغرض، ليعلموا الصناعة التي تلائمهم في الحياة، فإذا اختاروا لهم السبيل، وربوهم على الصناعة، ولقنوهم العلم والفن، وألموا على العشرين، ظفروا بحق الانتخاب ذكوراً وإناثاً على السواء.

وسرنا كذلك بضعة أميال، فلم أرَ غير أبنية شاهقة، وصروح عالية، فقلت: أليس في المدينة حوانيت للبيع والمخازن وأسواق؟

أجاب: كلا، ما حاجتنا إلى الحوانيت والمخازن، إن الحكومة تطعمنا وتكسونا وتكننا وتطببنا وتحمينا وتزيننا وتحصد غلاتنا وتواري سوءاتنا، فما حاجتنا إذن إلى الحوانيت.

قلت وقد أحسست تعباً من أثر المسير، ألا نستطيع أن نجلس في أي مكان ونلتمس شراباً؟

قال: شراباً! ماذا تقصد بكلمة شراب إننا نتناول مقداراً طيباً من الكاكاو في جلسة العشاء، هل تريد ذلك، فلم أشأ أن أشرح له وأفسر، إذ أدركت أنه لم يكن ليفهم لو شرحت له.

قلت: نعم، هذا ما أردت.

ومر بنا رجل حسن الخلقة، وشاب جميل السمت، ليس له إلا ذراع واحدة، فلفت إليه نظر الدليل وطلبت الشرح.

قال: نعم، إننا إذا وجدنا رجلاً فوق المسوى العادي، قطعنا ذراعه، أو ساقاً من ساقيه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015