لنجعل كل شيء متساوياً، لأن الطبيعة كما ترى، أبداً في اختلاف وخطأ، فنحن محاولون دائماً أن نصلح سيرها، ونهذب من شأنها.
قلت: فماذا تفعلون لو خرج إليكم رجل ذكي أوى من النبوغ وتوقد الذهن ما لم تؤتوا.
قال: لسنا نجد ذلك الآن، ولو يخرج لنا منذ زمن طويل قوة ذهنية خارقة للعادة حتى الآن، ولكن لو عرض إنسان له مثل ما وصفت من حدة الذهن، فليس علينا إلا أن نؤدي له عملية جراحية في مخه حتى تجعل ذهنه يبرد وبهذا يكون في مستوى الأذهان العادية.
وانطلقنا.
حتى إذا مشينا قليلاً قلت: ثم ألا يؤذن لكم بقراءة الكتب.
أجاب: أما عن الكتب فإني أقول لك أن ليس لدينا الكثير منها، إذ كنا نعيش الآن عيشة كاملة، خلوا من المظالم والآلام والفرح والأمل والحب والحزن، فلم بعد لنا ما نكتب عنه!
قلت وماذا صنعتم بالكتب القديمة، وماذا كان مصير شكسبير وسكوت وملتون وغيرهم من سادة كتاب العهد القديم، وماذا صنعتم بالكتاب أو الكتابين اللذين وضعتهما أنا في زمني، ماذا جعلتم من كل هذه الكتب والتواليف البديعة؟
فأجاب الرجل: لقد أحرقناها جميعاً، فقد كانت كلها مفعمة بوصف الآلام القديمة، يوم كان الناس دواباً كدواب الحمل.
فسألته: أليس لكم دين تدينون به.
قال: نعم.
قلت: ألكم إله تعبدونه.
قال: نعم.
قلت: وماذا تسمونه.
قال: الأغلبية!.
قلت: دعني أسألك السؤال الأخير، وأرجو أن تغفر لي كل جرأتي هذه.
هل كثيرون منكم يرتكبون جريمة الانتحار؟
فأجاب: كلا، لم يكن هذا ليوجد لدينا.
فنظرت إلى الوجوه التي أمر بها، وجوه النساء وملامح الرجال فرأيت في معارفها هيئة