فلجأ إلى الفونس السادس، صنيعة أبيه منذ عهد قريب، فأكرم وفادة هشام وأمده بجيش ساعده حقيقة على الرجوع إلى كرسي مملكته، ولكن هذه المعاونة لم تكن صادرة عن أريحية كاملة كما فعل المأمون مع الفونس بل إن الفونس أخذ من ابن المأمون ثمن هذه المساعدة إذ ألزمه أن يتنازل له عن حصنين منيعين متاخمين لبلاده، على أن هشاماً لم يتمتع بهذا الملك إلا قليلاً من الأيام، ولذلك لم يرد ذكره فيما وصل إلينا من كتب العرب وفي بعض تواريخ الافرنج، وخلفه القادر بالله يحيي: وهو أخوه على قول الافرنج، وابنه على قول العرب، وكان غبياً بخيلاً منحط الطباع فاسد الأخلاق فاغتنم الفونس هذه الفرصة وهاجم المدينة الجميلة التي كان يحلم بامتلاكها، وكان من أعرف الناس بعوراتها وطريقة الاستيلاء عليها نظراً للمدة الطويلة التي أقامها بها في ضيافة المأمون بن ذي النون، ونظراً لما علمه أثناء ما كان متظاهر بالنوم في روضة القصر.
فمكث ثلاث سنوات وهو يشن الغارات على طليطلة مكتفياً بقطع الأشجار وإتلاف المزارع وإحراق الأنادر والبيادر بما فيها من الغلات والأرزاق حتى جعل المدينة أشبه بروضة أي واحة في وسط صحراء جرداء قحلاء، وكان يأسر الفلاحين وينقلهم إلى بلاده لكيلا يعودوا لغراسة الأرض وتعميرها حول طليطلة فتعود إليها القوة والحياة.
بهذه المثابتة وقعت في قبضته المدينتان المجاورتان لطليطلة وهما مجريط (مدريد الآن) ووادي الحجارة، فبقيت طليطلة منقطعة منعزلة، ولذلك تسرب إليها الضعف والوهن فأصبح الاستيلاء عليها من أسهل الأمور: وحينئذ استغاث صاحبها بابن الأفطس ملك بطليوس وبابن هود سلطان سرقسطة وتمكن بمعاونتهما من صد جيوش الفونس السادس، ولكن هذا الملك عاود المدينة بالتخريب وتقليع الشجر وإتلاف المزروعات حتى تأتت له الفرصة التي كان ينتظرها وحلت الساعة التي كان يترقبها، وحينئذ جاء بجنود لا عداد لها وحاصر المدينة ست سنين ففعل الجوع أفاعيله بأهلها ولذلك طلبوا المفاوضة معه على تقرير الصلح، فأراد القادر أن يكون تحت عهده وفي ذمته ولكن الفونس أبى إلا أن يتسلم المدينة ليجعلها كرسياً لمملكة قشتالة، فلما علم أكابر البلد وحماتها بذلك أجمعوا أمرهم على المدافعة عن وطنهم وأهلهم وتحالفوا على الموت في سبيل الجهاد، غير أن العامة واليهود والمستعربين (أي أهل الذمة من الإسبانيين) ألزموهم بأن ينزلوا على حكم الفونس وأن