فأرادوا أن يختبروا حالته فتقدم أحد السادات وهزّه بعنف شديد فلم يستيقظ، فجاء آخر وصبّ في يده الرصاص المذاب فلم يتحرك الأمير الإسباني أدنى حركة، قالوا: فكان في هذا البرهان المحسوس على هذا النوم العميق منجاة له من القتل فقد خرق الرصاص يده ولم يتمامل مطلقاً ولذلك لقبه قومه بالملك المخروق الكف، نعم إن فريقاً آخر من مؤرخيهم يقولون أنه إنما لقب بذلك لتبذيره وإسرافه في بذل الدارهم والدنانير.

هذا وما زال الأمير الإسباني في ضيافة ملك المسلمين حتى دعاه الأعيان بلاده لتقلد زمام الحكم بعد وفاة أخيه، فتوقف في إجابتهم وعلق قبوله دعوتهم على الاستئذان من ضيفه ووليّ نعمته وحافظ مهجته، فشكره المأمون على هذه المجاملة وقال له ما معناه أنت طليق، وأنا لك نصير! ولقد وجب حقك عليّ منذ لذت بجواري ودخلت في حماي! فلك عليّ أن أزوّدك بما تشتهي من المال وأمدك بمن تريد من صناديد الرجال! عهد أقطعه على نفسي حتى تسترجع عرش أبيك، ولست أطلب منك سوى خصلة واحدة: هي أن تحلف لي بأنك تبقى محافظاً على عهدي فتحترم مملكتي ولا تؤذيني في أهلي وبيتي.

فشكره الأمير الإسباني وأقسم له بأغلظ الإيمان على ما أراد، ثم ذهب بجيش العرب وبمال العرب نحو بلاده فتقلد زمام الأحكام باسم ألفونس السادس، وقد لاقى العرب من بعد ما لاقى سنمار، لما سنراه من أفاعيله عما قريب.

مازال ألفونس محافظاً على عهده مع المأمون، بل إنه أمده بجنوده في حروبه مع ابن عباد سلطان إشبيلية، فكان ابن عباد ووزيره ابن عمار (الشاعر الأكبر والداهية الأشهر) يواصلان الحيلة والدسيسة حتى أغريا ألفونس السادس بطليطلة وكان بها مغرماً هائماً ولاسيما بعد معرفته التامة بها وبقيمتها الحربية، فقد كان يهجس في ليله ونهاره بطليطلة وبحب طليطلة ولكنه كان يكبح نفسه عن أمانيه وأحلامه إذ كان يذكر عرفان الجميل ووجوب الوفاء بالوعد وضرورة البر بالقسم العظيم، فصار يتربص الفرص وهو يتقلب على أحر من الجمر، حتى وافاه الدهر بما يشتهي، فقد كان من حظّه أن مات المأمون وخلفه ولده هشام فأساء السيرة، على ما يقال، والأرجح أن دسائس ابن عباد وابن عمار من جهة، ومكايد الفونس نفسه من جهة أخرى، فعلتا فعلهما بين أهل البلد حتى جاهروا هشاماً بالعدوان واقتحموا عليه قصره وقتلوا حراسه وحاولوا اغتياله، غير أنه تمكن من الفرار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015