يقبلوا كل ما يريد مهما اشترط ومهما اشتط في الطلب.
حينئذ سلمت طليطلة إلى الفونس السادس في 24 مارس سنة 1085 (24 ذي القعدة سنة 477 هـ -) فدخل بجنوده وجيوشه في موكب حافل يوم 25 مايو من المذكورة (27 محرم سنة 478 هـ -) إلى تلك المدينة الجليلة: مدينة الرومان، عاصمة القوط، مصر العرب، وقد أمر بسد الباب العربي الذي دخل منه فهو لا يزال مسدوداً إلى اليوم، واسمه عند العرب باب شقرا ويسميه الإسبان إلى الآن باسمه العربي محرفاً هكذا بيساجرا.
وخرج القادر يحيى بن ذي النون منها على أقبح صورة وأفظع سيرة قاصداً عمالة بلنسية التي رضي الفونس بأن يبقيها له إلى حين، فقد بلغ من سخافته أنه بعد ضياع ملكه العظيم أراد أن لا يخرج من طليطلة إلا بعد أن يتخير بنفسه الطالع ويستخبر الكواكب لمعرفة الوقت الميمون المبارك فسار في الشوارع وبيده الاسطرلاب يحسب الدقائق والساعات ويرصد الطوالع والنوازل، فتعجب منه المسلمون وهم يبكون، وضحك منه الإسبانيون وهم به يستهزؤون.
سقطت طليطلة في يد الإسبانيين فوجد الأندلسيون من ذلك ما لا يطاق وكانت هذه النازلة سبباً في احتراق قلوبهم وشدة تخوفهم من سوء العاقبة حتى قال شاعرهم العسال:
يا أهل أندلس، حثوا مطيكم ... فما المقام بها إلا من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه، وأرى ... ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط
ونحن بين عدو لا يفارقنا ... كيف الحياة مع الحيّات في سفط
على أن النازحين من أهل طليطلة ما زالوا يستنفرون إخوانهم في بقية أمصار الأندلس ويستنجدون ملوك الطوائف لاستردادها، لذلك يحدثنا التاريخ بما حاولوه من استرجاعها المرة بعد المرة فكانت سراياهم تراوحها وتغاديها، وتصبحها وتماسيها، وتطرق أحوازها ومغانيها، وتحوم حول حماها وتشن الغارات عليها.
ومما يجب ذكره في هذا المقام أن الفونس السابع ملك طليطلة خرج لشن الغارة على بعض حصون المسلمين، واتفق في أثناء غيبته أن سرية من سرايا الأندلسيين ذهبت إلى طليطلة فهاجمتها وكادت تملكها، غير أن زوجة الفونس السابع وهي الدونة برنجويلا المسماة أيضاً بيرنجير أفلحت في إنقاذ المدينة منهم فلقد أقدمت هذه الملكة البارعة في الجمال على حيلة