الساحل، مقدارها مائتا ميل فزدناهم ميرة وأمددناهم بكفافهم من الطعام والشراب، إذ كانت أحمال سفينتهم من اللحوم قد غرقت معها.

وكان من بين البحارة رجل قزم أصفر البشرة، أسود الشعر أشبه شيء بالإسباني منه بالنرويجي. . وسمعناه يغمغم لغة من اللغات إذ ابتعد القارب عنا.

قال إيجلو أحد بحارتنا وكان منه قريباً: إنه يريد أن يذهب الإمبراطور إلى الجحيم!

قال هالبرت وقد وضع يده على مسدسه: هل تأذن لي يا سيدي بأن أرسل هذا الرجل إلى الجحيم ليعلن أهلها أن جلالة إمبراطورنا يرفض الذهاب إليها!

وكان هذا القول المجوني منه جداً وعزماً صادقاً.

قلت اسأله وكيف عرفت أنه يقول سوءاً عن الإمبراطور؟

فأجاب: إني سمعته لأني أعرف النرويجية!

وكان القارب لحسن الحظ قد انطلق عنا مبتعداً فلم أر إلا أن أقول: لعلك مصيب رجلاً غيره إذا أنت أطلقت الرصاص على هذه المسافة الكبيرة.

وكنت لا أريد أن أظهر أمام البحارة شيئاً من عدم الاكتراث لإهانة سخيفة كهذه، ولكني مع ذلك كرهت أن يقتل رجل من أجل كلمة طائشة لا معنى لها. . . . . .

2 إبريل سنة 1916

رأيت مينا في المنام مرة أخرى، وكان حلم الأمس ذاك الحلم الفائت بعينه وأنا الآن مستطيع تذكر الحلمين، رأيت مينا في رفقة أبيها وسفن شقيقها، وكانت أمها في الناحية الأخرى بمكان قصيّ بعيد، وكانت واقفة تشير إلى مينا تطلب قدومها إليها، وكانت ذراعا مينا متفتحتين إليّ تطلبان احتضاناً، ولكني عندما هممت بالذهاب إليها وقع انفجار هائل، أخفاها قليلاً عني، ولكن لم يلبث أن تبدّد الدخان فرأيت مينا واقفة بجانب أمها، ترسل القبلات بأناملها إلى وجنتي وإلى أبيها وشقيقها.

قال صديقي فرتز عندما أنبأته نبأ هذا الحلم: إذا كان لهذه الرؤيا معنى فلا يكون ذلك إلا أنك لن تلبث حتى ترى الآنسة مينا.

على أن تفسيره لم يمح ما عراني من الاضطراب لهذا الحلم وما كنت أشعر به من آلام، ولا أستطيع أن أجتنب تخيل مصاب شديد وقع بمينا أو لا شك واقع أو أمر نزل وانقضى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015