بعولات الجرحى الضعفاء تضج من ناحية المطبخ وهم يصرخون ويبكون جزعاً واستنجاداً.
فانطلقت إلى المطبخ فتلقاها الجرحى بالتهليل والفرح، مطمئنين لمقامها معهم فمشت بين الأسرة تشجعهم وتواسيهم فجعلوا يقبلون أطراف ثوبها ويتوسلون إليها ويتضرعون. وهي تحنو على وسائدهم بوجهها الرحيم وصفحتها المشرقة العاطفة وهي تنادي فيهم الشجاعة يا صحابتي. عزاء يا أخوتي وصبراً فلن تهجركم ممرضتكم.
فضج الرجال في أثرها. . . نعم عزاءً وصبراً. وليباركك الله، والآن فلو أن قنبلة تنطلق من مدافع العدو فتنقض على تلك المرأة فتضرجها بدمائها، إذن باركتها الإنسانية وأعدت لها مكاناً في السماء، أما إذا خمدت نار الحرب وهي لا تزال في الحياة باقية فأي مكان لها في الأرض. أي أمنية لها في العيش. أي وطن لها. أي معصم.
وعادت إلى الخطاب ولكن بدلاً من أن تجلس للكتابة ظلت واقفةً على مقربةً من المائدة شاردة البصر في أنحاء الرسالة وسطورها.
وفي تلك اللحظة فقط ثارت في خاطرها فكرة غريبة لم تنو أن ابتسمت هي نفسها من غرابتها، وهي ماذا يكون لو هي سألت اللادي جانيت روي أن تحل منها محل مس روزبري. إنها التقت بالفتاة في موطن مخيف ومركب خشن ولقد أحسنت إليها وأعانتها وواستها بل هي خير وصيفةٍ لها وقارئة ولكن ماذا يكون من اللادي إذا كتبت إليها ترجوها هذا الرجاء إذن أفلا تجيبها قائلة ابعثي إلي بشيءٍ عن سيرتك وماضيك ومزاياك وسأرى بعد ذلك رأييسيرتها. يالله. وماضيها ومزاياها. . . . .!
وهنا ضحكت مرسى ضحكةً مرة ثم جلست تكتب بضعة أسطر موجزة تصف فيها نكبة الفتاة.
كلا. . . لم تستطع أن تكتب حرفاً واحداً. إن تلك الفكرة الغريبة لم تزل تدور في خاطرها وتغريها.
والآن بدأ ذهنها يتخيل جمال دار مابلثورب، وحسن ذلك المغنى الزاهر وحديقته الأنف الغناء، ولذاذة الحياة وبهجة العيش وفخامته، في ظل اللادي جانيت وتحت سقف دارها، وأذكرها ذلك مرة أخرى حظ مس روزبري الضائع. يا لها من تعيسة. أية دار كانت مفتحة