القنابل إذ عرف العدو أن الفرنسويين يعودون أدراجهم.
وكان السكون مخيفاً موحشاً. وقفت مرسى وحيدة في وسط تلك الحجرة الهادئة وفي الحال استقر بصرها على السرير.
فمشت إليه والمصباح في يدها فوقفت عند زاوية منه تنظر في وحشة ذلك السكون إلى ذلك الوجه الذابل الهادئ وكان وجهاً فتاناً في الحياة والموت، ذلك الجبين لا يزل كما كان عريضاً متهللاً وهاتان العينان لا تزالان نجلاوين والفم صغير حلو رقيق. يا للرحمن!
ورفعت مرسى يدها فهذبت شعر الجثة المنتثر الأشقر وأصلحت ثوبها المتجعد الملتوي، وهي تقول لنفسها منذ لحظات كنت أمني النفس أن أبادلك مكانك؟ وإ ذاك تولت عن السرير متنهدة. والآن لوددت كذلك أن أبادلك؟. . .
واستوحشت من السكون السائد حولها.
فتمشت إلى الناحية الأخرى من الحجرة وكان المعطف لا يزال مطروحاً فوق الأرض، ذلك المعطف الذي أقرضته مس روزبري، فالتقطته من مكانه وألقته فوق أحد المقاعد ثم وضعت المصباح فوق المكتب ودلفت إلى النافذة تنصت إلى صوت تقدم الألمان. ولكن لم يقع في أذنها إلا حفيف الشجر فعادت عن النافذة فجلست إلى المكتب تفكر.
تذكرت مرسى الحديث الذي جرى بينها وبين رفيقتها المسكينة وأن مس روزبري حدثتها عن غرضها من العودة إلى إنجلترة وأنها كلمتها عن سيدة كان بينها وبين أبيها رابطة نسب وإن لم تكن قد رأتها من قبل وهي في انتظار وصولها.
وإذ ذاك دار في خاطر الممرضة أنه لا بد من الكتابة إلى السيدة بنبأ فاجعة الفتاة ووفاتها. فمن ترى يقوم بذلك. ليس لأحد أن يكتب عن الحادثة إلا من كان شاهدها. ولم يكن هناك شاهد إلا مرسى نفسها.
وعند ذلك رفعت المعطف إليها فأخرجت من جيبه المحفظة التي رأتها مس روزبري إياها ورأت مرسى أنه لا بد من معرفة عنوان السيدة وأنه لا بد لذلك من فض المحفظة ففضتها ولكن لم تلبث أن توقفت وقد شعرت بشيءٍ من الأنفة والإستنكار لإقدامها على أسرار غيرها ولكن لم يطل ترددها لأنها بعد التفكير لحظة واحدة اقتنعت بأنه لا داعي إلى الإستنكار والتردد فأفرغت جميع ما في المحفظة.