صناديق وخزائن. وأصبحت في تلك الأسفار ودائع ودفائن. والكتاب رعاكم الله فؤاد العالم يعي كل ما طرأ عليه من حوادث وآثار. وخواطر وأفكار. ووجدانات ومشاعر وفعال ومآثر ومشاهد ومناظر. فنعم تراث الأوائل للأواخر وتحفة الغابر للحاضر!

أو مازالت الكتب تأتي بالمعجزات كالتي زعموا أن حروف أودين كانت تأتيها؟ بلى حسبها أن فيها للناس دوافع ومحركات. وبواعث ومحرضات. ولن تعدم أحقر قصة واسخفها أثرها الحميد في قارئاتها ذوات الخرق والحمق من بنات الريف تفيدها بعد الزواج في ترتيب بيتها وتنظيمه ثم انظروا ما الذي شاد كنيسة سانت بول. هو كتاب التوراة الذي هو كلمة الرجل موسى الخارجي الطريد راعي الغنم في صحارى الطور! نعم لقد أقامت الكتابة في العالم دولة المعجزات وضمت الماضي والحاضر بأوثق العقد وأوكد الصلات ولاصقت بين الشرق والغرب. وصاقبت بين القطب والقطب. وجمعت بين طنجة وبكين في قرن. وألفت بين نوح ونابليون في زمن وغيرت للناس وجوه الأمور وصور الأعمال وجددت شأناً بعد شأن وحالاً بعد حال.

فانظروا مثلاً إلى التعليم وما أحدثت فيه الكتب من الأثر الجليل. وحسن التغيير والتبديل لقد كانت الجامعات قبل الكتب هي الطريقة الوحيدة لاقتناء العلوم واكتساب المعارف. نشأت الجامعة حين لا كتب تذيع وتنتشر وحين كان الرجل يريد الكتاب فيبذر الضياع والعقد. وكان ذو العلم إذا أراد أن يعطي من علمه لم يجد بداً من جمع الطلاب حوله فيلقيهم العلم فماً لفم فإذا كنت في ذلك الوقت فأحببت أن تعرف من العلم ما يعرفه ابلادرد لم يكن أمامك إلا أن تذهب إلى ابلادرد حتى لقد بلغ قصاد ابلادرد وحجاجه نحواً من ثلاثين ألفاً يحتشدون حوله ليستمعوا فلسفته وإذ وجد بهذا المكان هذا العديد المجمهر من طلاب العلم رآها العلماء الآخرون فرصة يحسن اعتنامها فمن وجد في نفسه الكفاءة لتدريس علم رأى ذلك المكان أحق الأمكنة بأن يذهب إليه فيعرض في سوقه سلعة علمه وهكذا لكما زاد فيه عدد المدرسين زاد عليه الإقبال من الطلاب والمعلمين معاً. وبعد ذلك أصبح المكان لا يحتاج إلا إلى التفات السلطان إليه ليجمع تلك المدارس المتعددة في مدرسة واحدة ثم يمنحها المباني والمير والمنح ويسميها جامعة. وهذا هو في نظري منشأ الجامعات.

ولكن انتشار الكتب وسهولة اجتلابها قلب الأمر قدماً لرأس. وذروة لأس. ومتى أوجدت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015