لا خير في الحياة من دونه ولله ما كان اتقاه عملاً وأجمله مشهداً فأما الآن وقد ظهرت صناعة الكتابة والطباعة فقد طرأ تغير كلي على ذلك الأمر. أو ليس الكاتب الذي يضع كتاباً خطياً ليست خطبته قاصرة على هذا البلد أو ذاك رهينة بذلك اليوم أو هذا ولكنها خطبة لكل إنسان في كل زمان ومكان؟ وحقاً أنه من يخطئ في عمله فأوجب الواجبات على كاتب الكتاب أن يتوخى الصواب والسداد والخطب العظيم والطامة الكبرى أن الناس لا يحفلون البتة أصاب كتاب الكتب أم أخطأوا - وجد كتاب الكتب أم فقدوا. نعم قد يكون للكاتب شيء من الأهمية عند طابع الكتب الذي يرجو أن يربح مبلغاً من وراء مؤلفه. فأما عند خلافه فلا. كلا ولا يعبأ الناس من أين جاء ذلك الكاتب وأين يذهب وكيف وصل وكيف يمكن أن تسهل له طرق التقدم والاستمرار. وإنما يراه المجتمع كأنما هو إحدى الشواذ فيتركونه يهيم كالذي لا يدري أين هو.
أنا في أمة تداركها الل ... هـ غريب كصالح في ثمود
وصناعة الكتابة لا شك أكثر الفنون إعجازاً وأعجب ما أبدع الإنسان وحروف أو دين كانت أول عمل أتاه أول أبطال العالم. وليست الكتب في هذه الأوقات إلا من قبيل (حروف) أو دين والكتب حرسكم الله مستودع حكمة الغابرين وفيها تتجلى لنا أرواح العصور الماضية. والحقب الخالية. بعد أن فنيت أجساماً. وأصبحت أوهاماً وأحلاماً. ولا ننكر أن الجيش اللهام. والأسطول الضخم الجسام. والمرافيء والثغور. والمدائن والقصور. أشياء رائعة جليلة. ولكن ماذا مآلها وأين مصيرها؟ وإذا سألت اليوم عن أغا ممنون وبير كليس وينانهم رأيتها عهوداً تبكي وتذكر بعد أن كانت مشاهد تروع وتسر. ولم تنك عينك منها إلا دمنا عافيات. وطلولاً دارسات. ورسوماً داثرات. ومعاهد خربات كأنها صحف باليات تنشرها أيدي السحب السواكب وتطويها أكف الرياح الغرائب إذا نفشتها أقلام الهاطلات. مسحتها أنامل السافيات.
لأيدي البلى فيها سطور مبينة ... عبارتها أن كل بيت سيهجر
ولكن ماذا كان من أمر مؤلفات اليونان؟ هي اليوم عينها بالأمس. لم يغيرها الزمان. ولم ينكرها الحدثان ولا أبلتها العصور ولا أخلقتها الدهور. هذا وقد خلد الله اليونان بين أوراقها وصحفها. وأحياها في سطورها وحروفها. فكأنها لم تمت وإنما طوتها من تلك الكتب