على أثر ذلك وقضى نحبه قتيلاً بداء الأيام الثلاثة (هو اسم ثورة 1830) وما هكذا تموت الرجال! ولست أشبه هذه الموتة إلا بموتة الشاعر الفرنسوي الكبير (راسين) الذي قتله أن لويز الرابع عشر تجهمه مرة ورمقه شزراً فياليت الأستاذ الألماني علم أن الكرة الأرضية صلبة جلدة وأنها طالما تحملت صدمات الدهر وضربات القضاء وأنه ليس من البعيد أن تعيش وتبقى وترى دائرة حول محورها بعد ثورة (الأيام الثلاثة) ولقد جاءت تلك الثورة الثانية لتعلم الناس جميعاً أن الثورة الفرنسوية لم تكن قط فلتة جنون ولكنها ثمرة حرة من ثمار هذا العالم - عالم الله. وإنها كانت حقاً يحسن بكل إنسان أن يعده حقاً لا باطلاً ولا جنوناً.
فصل آخر من مقدمة الباب الخامس
الذي عقد للكلام عن الكتاب جونسون وروسو وبارنز
كثرت الشكوى الآن مما يسمونه اختلال نظام المجتمع وكيف أن كثيراً من العوامل الاجتماعية تسيء أداء وظائفها. وكيف أن كثيراً من القوى العمرانية الشديدة تكدح في غير مكدح وتكد في غير مكد. وتلك شكوى لا شك في صحتها. ولكن من نظر جهة الكتاب والكتب وجدها أشد الجميع اختلالاً وفساداً بل أصل كل اختلال وفساد - وجدها كأنها قلب يصدر عنه ويرجع إليه كل اختلاط وتشويش في العالم! ولست أرى حالاً أنكر من سوء ما يجزى به الكتاب على جليل ما يسدونه إلى الملأ. ولو غمسنا القلم في هذا المبحث غمسناه في بحر لا قرار له ولكن لابد لنا أن نمس شاطئ الموضوع إذ كنا غير خائضين عبابه إتماماً للفائدة. وأسوأ ما كان من أمر هؤلاء الثلاثة الكتاب أنهم وجدوا عملهم في هذه الحياة ومركزهم ضرباً من الفوضى. والسائح إذا صادف طريقاً مذللاً ومنهجاً واضحاً مضي في سننه وأمعن في قصده. فإذا أصاب طريقاً مذللاً ومنهجاً واضحاً مضي في سننه وأمعن في قصده. فإذا أصاب عقبة لا تقتحم وسداً لا يفتح فجعل يطعن فيه يبغى نفاذاً فأحر به أن يظل من عمله هذا في مصاب جلل وأوشك أن تمر به فريسة بين مخالب الهلاك!
أدرك آباؤنا ما هنالك من الفائدة العظمى في خطاب الرجل للرجال وعظة المرء لأخوانه فأسسوا الكنائس والمساجد لذلك الغرض. فما من بقعة في العالم المتمدين إلا بها منبر يستطيع منه الرجل أن يعظ باللسان أخوانه في الله. وكانوا يرون ذلك من أهم الأمور وأنه